لو أن سفراءنا بادروا إلى هذه الخطوة!

TT

إذا كان هناك خطيب للجمعة، يبشر المصلين في كل أسبوع بنعيم الجنة، فإن أمامه عشرة خطباء على الأقل، يظلون في الوقت نفسه يعددون وسائل العذاب التي تنتظر العصاة في الآخرة.

وفي كل مرة كانت الظروف تقودني إلى مسجد يخطب فيه رجل من النوع الثاني، كنت أتساءل بيني وبين نفسي عما إذا كان مثل هذا الخطيب يبعث برسالته في الاتجاه الصحيح؟! فالذين جلسوا صفوفا أمام عينيه ينصتون إليه في الجامع لا بد أنهم مؤمنون، أو في أسوأ الظروف مسلمون، وموحدون بالله، ويرجون رحمته، ويسعون جهدهم إلى أن يشملهم لطفه، وبالتالي، فليسوا هم الذين يجب أن تقرع آذانهم، طوال الخطبة، آيات النار في القرآن الكريم.

ومع ذلك، فإن خطيبا واحدا من هؤلاء، لم يسأل نفسه ولو مرة واحدة، عما إذا كان هؤلاء المصلون الجالسون بين يديه، هم الذين يعنيهم كتاب الله الكريم عندما يتحدث عن الخلود في الجحيم؟! إذ البديهي أنهم ليسوا قطعا المقصودين، وإنما يقصد القرآن أن ينذر الذين لا يأبهون لا بصلاة، ولا بصيام، ولا بغيرهما من أركان الإسلام.

شيء من هذا كان يطوف في خاطري مرارا، حين كنت أتابع مع كثيرين غيري، ردود فعلنا كمسلمين، على الفيلم الأميركي الذي أساء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.. فقد امتلأت وسائل إعلامنا بما كان يدحض ما قد يكون الفيلم قد قاله عنا، كمسلمين، أو عن الرسول الكريم، وكنت أنت لا تكاد تحول المؤشر من قناة فضائية إلى أخرى، حتى تكتشف أن البرامج كلها تقريبا قد تفرغت للرد على الإساءات الواردة في العمل إياه، وكأن الذين يشاهدون هذه البرامج، أو يسمعونها، الذين هم بالضرورة أناس منا، هم الذين أساءوا، وهم الذين صنعوا الفيلم، وهم الذين راحوا يروجون له حول العالم.

ولا بد أن ما كنا نفعله ونمارسه، على امتداد وسائل إعلامنا، طوال الأزمة، لم يكن يختلف كثيرا ولا قليلا عما يردده خطباء المساجد «إياهم»، عن النار في الآخرة، إزاء مصلين هم بطبيعتهم تائبون إلى الله.

في الحالتين: حالة هؤلاء الخطباء في المساجد، ثم حالة الذين راحوا على مدى أيام اشتعال الضجة حول الفيلم إياه، يخاطبون أنفسهم، ويخاطبوننا، كانت الرسالة، ولا تزال طبعا، تتوجه إلى العنوان غير الصحيح، لأن المصلي في الحالة الأولى، يعرف الله، ويحذر النار، قدر ما يستطيع، ويتحرى طريق الجنة، قدر إمكانه، كما أن المشاهد أو المستمع، في الحالة الثانية، يعرف عن يقين أن رسول الإسلام كان منزها عن الهوى، وأنه كان معصوما من الخطأ، وأن الإسلام دين حق، وعدل، وإنصاف.

هذا كله مفروغ منه، سواء بالنسبة للمصلين في مساجدنا، أو لمشاهدينا ومستمعينا الذين انهالت عليهم تلك البرامج كالمطر، ولم يعرفوا وقتها كيف يقولون للقائمين عليها إن عليهم أن يتوجهوا بما يرددون، إلى آخرين لا يعرفون الإسلام، ولا يعرفون أخلاقه.

وربما يذكر بعضنا، الآن، أن استطلاعا كان قد جرى في الولايات المتحدة، قبل نحو عامين، وكان الغرض منه أن يقاس مدى إلمام المواطن الأميركي بما يدور خارج بلاده، ولا أزال أذكر جيدا إلى هذه اللحظة، كيف أن الاستطلاع كان يضم سؤالا عما تعرفه أفراد العينة عن «كوفي أنان» الأمين العام للأمم المتحدة، ولم يكن السؤال يذكر منصبه طبعا في ذلك الوقت.. وكم كانت المفاجأة حين أجاب أغلب الذين توجه إليهم الاستطلاع بأنهم لا يعرفون شخصا بهذا الاسم، ثم كم كان طريفا أن يجيب عدد لا بأس به من الذين تلقوا السؤال بأنهم يظنون أن «كوفي أنان» ربما يكون مشروبا يشبه الكوكاكولا!

أريد أن أقول إن الذين يجهلون في الولايات المتحدة، شخصا له سمعة عالمية، مثل «كوفي أنان» الذي يتردد اسمه في وسائل الإعلام، كل يوم، ولا تكاد تخلو صحيفة من صورته.. هؤلاء يجب ألا نلومهم إذا هم صدقوا ما سوف يقال لهم في فيلم مسيء، عن الإسلام، أو عن رسوله، وبالتالي، فالذي يلام في حالة كهذه، إنما هو نحن، وليس أي طرف آخر.

الموقف، إذن، على النحو التالي: أرادوا أن يسيئوا إلينا، ففعلوا، وأردنا نحن، في المقابل، أن نرد على الإساءة، فتكلمنا، ولم نتجاوز هذه المرحلة إلى خانة الفعل الذي يدوم ويؤثر، وحتى حين قررنا أن نتكلم، على سبيل الرد، فإننا تكلمنا مع أنفسنا، وكأننا نرغب في أن نقنع أنفسنا بما نحن مقتنعون به أصلا!

وحتى يأتي الوقت الذي يمكن أن نصنع فيه أعمالا فنية عالمية، تتحدث للعالم، وليس لنا، عنا، وعن إسلامنا، وعن أخلاقه، وحتى يأتي وقت يتصدى فيه أثرياؤنا، دولا وأفرادا، لمثل هذه المهمة، فإنني أشير هنا إلى كتاب مهم صدر في القاهرة عام 2003 للدكتور عبد القادر حاتم، ضمن سلسلة «القراءة للجميع» التي كانت تصدر في صيف كل عام، قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.

الكتاب عنوانه «الأخلاق في الإسلام»، ومن بين ما يميزه أنه يحصي أخلاق هذا الدين العظيم، من خلال القرآن الكريم، ومن خلال السنة الشريفة، ويبين بالآية، وبالحديث الشريف الصحيح، كيف أن كل ما قضت به أغلب القوانين المعاصرة، في المعاملات، سواء بين الدول بعضها وبعض، أو بين الأفراد، قد جاء في أصول ديننا، كمبادئ عامة، مرة، أو بالتفصيل مرات، ليبقى أهم ما في الكتاب، وما أقصده منذ بداية هذه السطور أن محتواه يأتي مرة بالعربية، وأخرى بالإنجليزية، بين غلافين اثنين.

ولو أن كل سفارة مصرية في كل دولة أجنبية، وكذلك كل سفارة عربية، قد بادرت إلى اقتناء نسخ من هذا الكتاب، ثم سعت إلى أن تضعه في يد كل «خواجة» يطرق بابها، فسوف نبعث بالرسالة، عندئذ في الاتجاه الصحيح، وسوف تكون بداية بالفعل لا الكلام، مهما كان تواضعها، نحو أن لا يجهل الآخرون أخلاق ديننا، ونحو أن لا نتكلم مع أنفسنا في وقت مطلوب منا فيه أن نتواصل مع الآخرين.. لا أبالغ إذا قلت إن نشر هذا الكتاب، وما قد يشبهه، على أوسع نطاق ممكن، في الغرب، يمكن أن يضمن لنا أن لا نستيقظ على عمل مسيء آخر، ثم إنه سوف يحول كلامنا إلى حركة باقية بين الناس على الأرض.