سمت بغداد وصنعاء «ميدان التحرير» تقليدا للميدان المعروف بالاسم في مصر. قلد العالم العربي مصر في أشياء كثيرة طبعت المرحلة الماضية: العسكر، الرجل الواحد، الحزب الواحد. أما أول من كرس الرئاسة مدى الحياة بالقانون فكان الحبيب بورقيبة الذي اعتمد كذلك الحزب الواحد. وبدأ الرئيس حافظ الأسد مسألة التوريث الجمهوري الذي شجع العسكريين الآخرين في مصر واليمن والمشير المدني صدام حسين في العراق.
ورأى الغرب في سيف الإسلام القذافي حلا مناسبا للخلاص من العقيد الأب، فأخذ يشجعه على ترتيب الخلافة، ويرسم له صورة الحاكم المتطور، خريج جامعة بريطانية مهمة. وفي الماضي كانت تلمع صورة الحاكم عسكريا، فيقال إنه خريج إحدى الكليات العسكرية العريقة، أما الوريث المدني مثل بشار الأسد وسيف الإسلام، فجامعات بريطانيا المدنية، وكذلك جمال مبارك. أما صدام حسين ونجل علي عبد الله صالح، فكانت الكفاءة الشخصية وحدها، الكفاءة المطلقة.
في تأمل انهيار للنظام العربي القديم نجد أن علامتين أساسيتين قد زالتا: العسكريتاريا والرئاسة مدى الحياة. وأما التوريث فمن المبكر الحديث عنه، أو هكذا يخيل إلينا، وقد يكون ذلك دليلا آخر على سذاجتنا. وكان زميل لنا قد ذهب إلى منزل أحد الرؤساء المنتخبين حديثا في لبنان مهنئا. وبينما هو يكر عبارات التهاني والأماني، قال له أحد أفراد العائلة: «الآن انتخاب الوالد انتهى. يجب أن نعمل لانتخاب الشقيق».
كان الاستثناء العجيب في اليمن (من كثرة السعادة) حيث غادر رئيس واحد (الإرياني) مكتبه في الموعد المحدد. وفي لبنان رفض إلياس سركيس بإصرار أي تفكير في التجديد، بينما خامرت الفكرة كل رئيس آخر. وكانت أسعد أيام التجديد مع إميل لحود، الذي شهد لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة من عهده أبدع أيام لبنان. ليس في الذاكرة ما هو أروع. من روعة لا من مروع.
عرفنا في لبنان أيضا أنبل العسكريين وأكثرهم مدنية وتعلقا بالدولة والقانون والنزاهة. ويجب ألا ننسى في هذه التأملات العابرة الرؤساء الذين أتوا برؤساء وماذا حل بهم: السادات ألغى الناصرية (الله يرحمه) وشارل حلو ألغى الشهابية، وفؤاد شهاب، وزين العابدين بن علي الذي جاء به بورقيبة للحفاظ على أمنه بسبب خوفه من مؤامرات المنافسين، وجد أن أفضل طريقة للحفاظ على الرئيس هي إبعاده من طريق المنافسين.