الإخوان والربيع السلفي

TT

الربيع العربي ليس ربيعا للثورات العربية فقط وإنما هو ربيع على أصعدة أخرى، ومنها الصعيد السلفي، ليس للموقع الكبير الذي فرضه الاتجاه السلفي على الخارطة السياسية، خاصة في مصر، بعد إجراء أول انتخابات برلمانية حقيقية وشفافة، ولكن بسبب التحولات في خطاب التوجهات السلفية. فالحركات السلفية تتخذ معايير دقيقة جدا في نظرتها للأحكام الشرعية يجعل من دخولها في معترك السياسة مصادما لبعض أدبياتها، وهذا يفسر الارتباك الشديد الذي اتسمت به مواقفها من الثورة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، جعلها في الأخير تحسم قرارها وتدخل في تغذية الثورة بالمشاركة في المظاهرات المليونية لإسقاط الرئيس مبارك، هذا الموقف المصادم لأدبياتهم تجاه الحاكم كان بداية لمواقفهم البراغماتية التالية، ويبدو أن قاعدة السلفيين خاصة من الشباب هي التي مارست ضغطا كبيرا على قادة هذه الحركات ورموزها ومشايخها.

الاتجاه السلفي أحسن قراءة خارطة منافسيهم الإخوان الأفضل تنظيما والأكثر خبرة في المعترك السياسي، بالإضافة إلى إدراك السلفيين أن منافسيهم الإخوان عبارة عن جسم واحد متماسك ومتناغم في قراراته واختياراته وكذلك تحركاته في الشارع، على خلاف الحركة السلفية التي على الرغم من سرعة انتشار آيديولوجيتها وقبول الشارع المصري لطروحاتها فإنها تشظت إلى عدد من الكيانات، الرابط داخل الكيان الواحد غير قوي، ناهيك عن الترابط بين كياناتها المتنوعة، فهناك الدعوة السلفية وهي الأكبر والأوسع انتشارا، وجمعية أنصار السنة، وما اصطلح على تسميته بـ«السلفية الحركية»، والسلفية «الأولي أمرية» التي تتبع نظاما صارما حول «طاعة ولي الأمر»، والجماعة الإسلامية المعروفة، والجمعية الشرعية، وهناك رموز علمية سلفية آثرت ألا تنضوي تحت أي واحدة من هذه التجمعات، وفضلت أن تتواصل مع الجميع.

وفي تصوري أن مواقف الحركات السلفية المصرية بعد الثورة، بل بعد نتائج الانتخابات الرئاسية، لا تقل في مفاجآتها عن مفاجأة موقعها الكبير على الخارطة البرلمانية، وأبرز هذه المواقف أنها تعايشت مع الحكم الإخواني الجديد بكثير من الانضباط مع عدم الولوج كثيرا إلى مساحة الاختلاف مع التوجه الإخواني، وهي مساحة بالتأكيد أصغر بكثير من مساحة المشتركات بين الفصيلين الإسلاميين الفاعلين والمؤثرين، ولهذا أثمر التواصل بينهما توحيد المواقف تجاه عدد من المستجدات مثل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والحفاظ على المادة الثانية من الدستور (مرجعية الإسلام)، ومعركة هوية مصر الإسلامية، والموقف من الدعوة لتأجيل الانتخابات ووضع الدستور أولا، ومليونية 29 يوليو (تموز) 2011، والموقف من مميزات الجيش في الدستور، والتحفظات على وثيقة الأزهر مع قبولها مبدئيا، وغيرها.

وقد تبنى منهج التواصل مع التيار الإخواني في عهدهم السياسي الجديد وطرح الخلاف وتوحيد الجهود، عدد من الرموز والقيادات الدعوية السلفية، منهم العالم الجماهيري الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ أحمد النقيب، والدكتور صفوت حجازي، والدكتور ياسر برهامي الذي التقى الشيخ القرضاوي مؤخرا، وغيرهم الكثير من كافة ألوان الطيف الإسلامي.

هذا النضج السلفي في قراءة المشهد السياسي يفتقر إليه «بعض» السلفيين في عدد من الدول الخليجية الذين انشغلوا بمناكفاتهم الشديدة لزملائهم الإسلاميين من الفصائل الأخرى، فلا هم عززوا منهجهم الدعوي القائم على (التصفية ثم التربية) ولا تركوا غيرهم يعملون بعيدا عن ضجيجهم ومشاغباتهم. واللافت أن هذا (البعض السلفي) عقد أشبه بتحالف «غير نقي» وغير منطقي مع تيارات معادية أصلا للفكرة الإسلامية حتى بصورتها البراغماتية المعتدلة، فتجد من يرى بدعية الديمقراطية وتحريم العباية على الكتف في ذات الخندق مع ذوي الطروحات الموغلة في التحرر المصادمة لثوابت الدين في بعض الأحايين.

[email protected]