الربيع الآسيوي

TT

يظهر أن الربيع العربي جزء من ظاهرة أكبر وأوسع. إنها الربيع الآسيوي. هذا ما حاول طرحه الباحث الهندي بنكاج مشرا في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان «على أنقاض الإمبراطوريات - الانتفاضة ضد الغرب وإعادة تكوين آسيا». تتصدر الإمبراطورية البريطانية هذه الإمبراطوريات التي انقرضت حسب رأي الكاتب. وهو يرى أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الغرب الآن حركت ذهن الآسيويين للانتفاض ضد الغرب والسعي لبناء كيانهم الخاص. وهو يشير هنا بصورة خاصة إلى اليابان والصين والهند.

ما كتبته في مقالتي السابقة على هامش كتاب الزميل أحمد المهنا «الأمر رقم واحد»، في إشارتي إلى أن نقمتنا على الغرب بشأن الإساءة للنبي عليه الصلاة والسلام، وربطها بالنزاع الجيوسياسي الأبدي بين الشرق العربي والغرب، له أبعاد أوسع تمتد إلى عموم القارة الآسيوية. لهذه الانتفاضة الآسيوية أسباب كثيرة، منها في رأيي الشعور بالنقص أمام الغرب. كنا في العشرينات والثلاثينات نسمع مرارا من المعلمين في مدارسنا عن السعي للحاق بالغرب. مر الآن نحو قرن من الزمن على هذه الفكرة وهذا الحلم. أخذنا نشعر الآن بأننا مهما بذلنا من جهد فلن نلحق بالغرب. وهذا شعور ممض يكدر حياة الإنسان ويشحن قلبه للانتفاض ويملأ صدره بالأسى والغضب. وهذا مما يساهم في كرهنا للغرب ومعاداته. وهو بصراحة ضرب من الحسد والغيرة. وما أبغضها وأخطرها، لا سيما عندما نربطها بشعورنا بأن الغربيين سرقوا ثروتهم منا ومزقوا كياناتنا سياسيا. وحتى المساعدات التي يجود بها الغرب على الجموع الجائعة فيها الكثير من المذلة.

آسيا منطقة محافظة، وهي مهد الأديان السماوية وغير السماوية. تحض هذه الأديان على الحشمة والستر وتقييد الحياة الجنسية بأعراف وقواعد. رمى الغربيون كل ذلك في سلة المهملات وانطلقوا يسلكون على ما تحبه النفس الأمارة بالسوء والغرائز. لم يكن الأمر يعنينا في السابق. لنا حياتنا وللغربيين حياتهم. بيد أن انتشار وسائل الاتصالات والإعلام، المجلات والأفلام وكليبات الفيديو والإنترنت، زج بكل ذلك التهتك والخلاعة والإباحية وألقى به في أحضاننا. ولا مفر من تأثيره على حياتنا، وبصورة خاصة على حياة وتفكير شبابنا. لم يقف الأمر عند هذا الحد. فشيوع العولمة وتيسر وسائل السفر والسياحة والاصطياف في ربوع أوروبا وأميركا واللجوء إليها، جعل الكثير من مواطنينا يلمسون بأيديهم هذه الحياة الغربية المتهتكة، يرونها ويتعلمون منها وربما يخوضون فيها. لقد انتقل الكثير من أصناف وممارسات هذه الحياة الغربية إلى حياة المدن الآسيوية وشاع فيها. هكذا شاع لبس المني جوب مثلا.

ولا بد أن شعور المحافظين بهذا الخطر، لم يعد بالإمكان كبحه أو قمعه. من يدري، ربما شعر البعض بضرورة مهاجمة منابع هذا الخطر. وتعاظم هذا الخطر بالشعور بأن هذا التهتك هو جزء من حياة الترف والثروة والنمو الاقتصادي الذي ينعم به الغرب. وربما يخطر لبعض الشباب أن الحياة المحافظة للشرق من أسباب تخلفه وفقره.

الأسباب كثيرة لإثارة حفيظة آسيا على الغرب.