«أيوب» لبناني أم عربي!

TT

يجادل بعض الشيعة العرب المستنيرين أن على حزب الله أن يمتنع عن توريط الشيعة العرب في أتون الجحيم السوري، ما يحدث هناك صراع بين من يطالب بالحرية ومن يسلبها، بصرف النظر عن الموالاة الحزبية والاتفاقات السياسية، لقد تغير الوضع في سوريا لكل عاقل فطن، فلم يعد ممانعة بل حرية مسلوبة يطالب الشعب السوري أن يتمتع بها.

إلا أن تلك الأصوات العاقلة، لم تجد لكلماتها تأثيرا أو لنداءاتها صدى، فقيادة الحزب تراهن على أن النظام السوري باق، أو يجب أن يبقى، في قراءة خاطئة للمتغيرات، أو تحت تأثيرات أيديولوجيا لا تبصر، وبالتالي فإن تلك الأصوات تذهب سدى. إنها أصوات – للتاريخ – تعين في المستقبل على عدم تحميل كل الطائفة أدران السياسات للبعض ودليل على تململ الطائفة من الداخل وضيق قنوات التعبير الحر لديها. يجادل حزب الله أن مقاتليه في قرى سوريا يقطنها لبنانيون!! وهي مجادلة غير موفقة، ينقصها احترام عقول الآخرين، فهناك من يسمع ومن يستطيع أن يحكم العقل! الحزب الآن بين نارين، نار الإعلان الصريح، كما يطلب منه حلفاؤه للانضمام إلى النظام السوري علنا، فيكون بذلك حزبا تابعا؛ حيث يرى البعض ألا يسألوا حلفاءهم عن أي برهان كي يناصروا، فهم من غزية إن غوت، وبين حكمة عدم التورط - العلني على الأقل - بأن يكون حزبا وطنيا.

لجأ الحزب في الأسبوع الماضي إلى حل ثالث وسط – مؤقتا - هو «أيوب»، الطائرة دون طيار التي قيل إنها صناعة إيرانية، وتركيب لبناني. القراءة الأكثر دقة، أن «أيوب» كانت من أجل شد الانتباه إلى مكان آخر غير تدفق الدم السوري اليومي، ومسكينة تلك القضية التي اسمها فلسطين، كلما اشتد صراع داخلي في منطقة عربية اخترعت لها بكائية، ثم سكبت على القضية تلك دموع كثيرة، حتى أهل فلسطين يعرفون الآن أنها دموع تماسيح، «أيوب» كانت بكائية يشهد الله أنها من نوع جديد!

شخصيا.. لا أعتقد أن «أيوب» تضيف شيئا إلى المعادلة العسكرية بين لبنان وإسرائيل، هي فقط تقدم ذريعة أخرى لإسرائيل لانتهاك سيادة لبنان الجوية، وربما إلى شيء أكثر خطورة، وتبرر فعلها أمام العالم بذلك الـ«أيوب» التائه. فماذا تأتي به «أيوب» من الأجواء الإسرائيلية، إن أتت بشيء؟ يحتاج إلى بنوك معلومات مدعومة بجهاز عسكري وفني ضخم وعالي المستوى، يستطيع أن يستفيد من تلك المعلومات ويوظفها في مجالها الصحيح، ولا توجد مثل تلك القنوات، فقوة حزب الله في النهاية هي قوة حزب لا دولة. القضية الفلسطينية في جزء من الدفاع عنها تحول إلى (استعراض) من البعض لا أكثر، ولا أعتقد أن «أيوب» قد خطفت أبصار العرب الذين يرون أن ما يحدث في سوريا، كلما طال، خسر العرب وسوريا أكثر وأكثر، إنه ذر الرماد في العيون، مضى زمنه إلا من قلة مجهلة.

«أيوب» تجعل العقلاء يخافون على لبنان أيضا، أو قل ما بقي منه، بعد كل تلك الصراعات العبثية بين مكوناته المتطاحنة. الجبهات التي يفتحها حزب الله في محاولاته لصرف النظر عما يحدث في سوريا قد تمتد إلى الكيان اللبناني الهش في الأصل، والذي يأخذ لبنان سريعا كي تصنف دوليا أنها من الدول الفاشلة، كما يفتح جبهة قد لا يندمل جرحها بين الطوائف المتعايشة تاريخيا.

وبينما يتزايد الغضب الشعبي من جراء القتل المبرمج في سوريا والتصفيات العرقية والفئوية وجرائم الإبادة التي يغوص فيها نظام الأسد، يفقد حزب الله سريعا ما اعتقد أنه بناه لدى قطاعات واسعة من الشعب العربي، ويعود من جديد لما يعرفه.. التحرش - وهذه المرة عن بعد – بإسرائيل، وتدبيج الكثير من التبريرات غير المنطقية.

ليس خافيا أن الحزب قد دخل طوعا أو كرها في حالة من التعصب الفكري والجمود السياسي التي لا يغامر فيها بمستقبله السياسي في الكيان اللبناني فحسب، بل يغامر بطائفة كريمة وشقيقة ومواطنة يعرضها للكثير من التساؤل في المستقبل، وقد يأخذ بعض الحمقى ذلك التساؤل إلى ما لا يحمد عقباه. العجيب أن اللغة العربية تصف لفظ (الطائفة) أنها تحرك الجزء عن الكل دون أن ينفصل عنه، سياسات حزب الله تهدد بالانفصال المركب، بين الأهل في الداخل اللبناني وبين اللحمة العربية المجاورة، فلن ينظر السوري إلى من يقتل ابنه أو والديه بالجهد الحربي الذي يقف وراءه حزب الله ورجاله برضاء أو تسامح، ثم يطلب منه تناسي تلك الأحداث، فلا بد أن تترك ندوبا غائرة في النفسية السورية يعود إليها الجميع في المستقبل.

قد يرغب البعض أن يذكر بأن هناك من (العرب) من يقاتل في صفوف الثوار السوريين أو من غيرهم، وقد يكون ذلك أمرا محتملا، ولكن الفرق هو أن من يقاتل مع الثوار يقاتل فارا من وطنه ومن أهله وبعيدا عن تنظيم حديدي يدرب ويؤهل المقاتلين، كما يفعل حزب الله. المقارنة – حتى إن وجدت - لا تصح ولا تبرر الموقف الذي يقفه الحزب ضد إخوانه في سوريا، وبالتالي ضد مشاعر مكون مهم في الداخل اللبناني ومكون عربي واسع وأيضا عالمي يميل إلى التعاطف مع طالبي الحرية على أي شكل أتوا وعلى أي منابر اعتلوا. ينقل عن على بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قوله: «ما تعصب إنسان إلا لقلة في عقله»، والتعصب في المناصرة على الباطل وحماس للمشاعر السلبية هو اليوم قلة في الإدراك السياسي.

«أيوب» هو السوري الصابر والعربي الذي تتقطع مهجته على هذا الدم المراق الذي لم يسبق في تاريخ العرب الحديث أن سال بهذه الغزارة أو طال كل هذا الوقت، و«أيوب» أيضا من يسكت عن قول الحق إن وجد بعضا من أهله يناصر الباطل.

آخر الكلام:

تصريحات السيد الغنوشي المثيرة، كما هي قرارات السيد محمد مرسي المختلف عليها، تقول لمن يريد أن يفهم، إن التجربة العربية بالمقارنة مع التجربة التركية هي في مرحلة (أربكان) لم يظهر للعرب بعد الثلاثي (غل - أردوغان - أوغلو)، ولا أعتقد أنه سوف يظهر قريبا!!