دروس من جوائز نوبل والمشاهير

TT

التقارير والتعليقات اللفظية والمكتوبة من المدرسين للطلبة بصورتها الإيجابية والسلبية لها أهمية بالغة على حاضر ومستقبل وحياة هؤلاء الطلبة، فيمكن لها أن تكون وثيقة مهمة ومفيدة على المستوى الأكاديمي والتربوي، فيمكن أن تعطينا فكرة عن قدرات ومستويات الطلبة، وتوجيههم نحو تخصصات في مجالات علمية معينة أو العزوف عنها، كما يمكن أن تنبهنا إلى مشكلات سلوكية محتملة للطلبة يمكن معالجتها مبكرا، ولكن يمكن أن تكون هذه التقارير والتعليقات مبالغا فيها، فقد لا تعبر صراحة عن مستويات وسلوكيات الطلبة، ويمكن لبعض الطلبة أن يتحدى التقارير والتعليقات السلبية من المدرسين، وتحقيق ما يشعر أنه مناسب لآماله وطموحاته. الأمر الذي يتطلب في النهاية إيلاء مزيد من الاهتمام لهذه التقارير والتعليقات المدرسية.

ومؤخرا، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ومع الموسم السنوي للإعلان عن جوائز نوبل لهذا العام 2012، وعقب فوز العالم البريطاني السير جون غوردن (79 عاما) بجائزة نوبل للطب، مناصفة مع العالم الياباني شينيا ياماناكا (50 عاما) عن بحوثهما في مجال الخلايا الجذعية، نشرت الصحف البريطانية ووكالات الأنباء، التقرير المدرسي للعالم غوردون، والموضوع في برواز ومعلق في مكتبه بمعهد «غوردن» الذي يعمل به في جامعة كمبريدج البريطانية، وجاء فيه أن غوردن جاء ترتيبه الأخير في علم الأحياء (بيولوجي) بين طلاب مرحلته وعددهم 250 طالبا في كلية إيتون الشهيرة، كما كان أيضا الأخير في مواد العلوم الأخرى ضمن مجموعة الطلبة، وهذا التقرير كتبه مدرس العلوم، في صيف عام 1949، عندما كان غوردن عمره 15 عاما، وأشار فيه المدرس إلى المستوى المتدني في مادة العلوم للعالم غوردن. وقال فيه المدرس إن غوردن لا يستذكر دروسه وإن الدرجات التي كان يحصل عليها في الاختبارات سيئة، وتدل على مستوى فهم ضعيف. وأضاف المدرس في تقريره أن غوردن يقع دائما في مشكلات لأنه لا يستمع جيدا ويصر على أداء واجبه المدرسي بطريقته الخاصة، وأشار في نهاية التقرير إلى أن أمل غوردن في أن يصبح عالما في المستقبل هو فكرة سخيفة ومضحكة جدا، أنه غير قادر على أن يستوعب أبسط حقائق علم الأحياء، فكيف يمكنه أن يصبح متخصصا في هذا المجال العلمي، أعتقد أن ذلك سيكون مضيعة للوقت له ولأساتذته.

كما أن مدرس العلوم الألماني قال في تقريره المدرسي، أن ألبرت أينشتاين لن يصل إلى أي شيء، ولكن المدرس كان على خطأ، فقد حصل آينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921، رغم أنه كان يعاني صعوبات في التعلم، فقد تأخر في النطق حتى الرابعة من عمره، ولم يستطع القراءة حتى سن التاسعة، وفشل في محاولته الأولى لدخول الكلية، وفقد ثلاث وظائف للتدريس في عامين. كما أن المخترع الأميركي توماس أديسون، صاحب ما يزيد على الألف اختراع، والشهير باختراع المصباح الكهربائي، وصاحب القول الشهير «العبقرية هي 99 في المائة عرقا وجهدا، و1 في المائة إلهاما»، أفاد مدرسوه بأنه كان يثير الكثير من الإزعاج لهم، بسبب كثرة أسئلته غير المعقولة، فلم يبق في المدرسة سوى ثلاثة أشهر.

وعلى الرغم من كل المعاناة والآلام التي واجهت مثل هؤلاء العلماء والمشاهير وغيرهم، ورغم التقارير المدرسية لمدرسيهم، إلا أنهم قد استطاعوا بالصبر والمثابرة والعزيمة والتحدي وقوة الإرادة والعمل الجاد، أن يحققوا الكثير من الاختراعات والإنجازات العلمية المميزة، التي أضاءت الطريق أمام العلم والعلماء للمزيد من الإنجازات والتطورات العلمية العظيمة.

لقد أكدت دراسات وبحوث كثيرة، أهمية تقارير وتعليقات المدرسين للطلبة، كجزء مهم وضروري لعملية التعلم، حيث توفر تغذية مرتدة عن أداء الطلبة، تسهم في تحسين وتسريع عملية التعلم، فإمداد الطالب بتقدير أو علامة أو كلمة أو عبارة معينة، إيجابية أو سلبية، هي في أوسع معانيها عملية تغذية مرتدة تمثل مساهمة فعالة ومهمة في عملية التعليم والتقييم، ولهذا فقد أكدت الدراسات أهمية أن تكون هذه التقارير والتعليقات صادقة وأمينة ومعبرة بصدق عن الأداء الأكاديمي والسلوكي للطالب، حتى يكون لها تأثير جاد في عملية التعلم.

فالتعليقات على بطاقة التقارير المدرسية، لا تقل أهمية عن الدرجات والتقديرات، لهذا يجب على المدرسين تخصيص وقت للتفكير فيما سوف تتم كتابته لكل طالب على حدة، فعبارات عامة مثل: «من دواعي سروري أن يكون هذا الطالب في الصف المدرسي»، ليست معبرة عن الطلبة وليست مفيدة لأولياء الأمور والمدرسين الآخرين الذين قد يراجعون هذه التقارير، ولكن استخدام عبارات وكلمات محددة لكل طالب يمكن أن يساعد الطلبة وأولياء الأمور ويفيد على المستوى الأكاديمي والسلوكي، في فهم أفضل لدلالة الدرجات ونقاط القوة والضعف لهؤلاء الطلبة، لهذا يجب اختيار كلمات التعليقات بعناية، لأنها يمكن أن تؤثر على الطلبة إيجابا أو سلبا.

وأخيرا، يمكن القول إن التقرير المدرسي الصادق والأمين لأداء وسلوكيات الطالب، هو أداة تربوية لا تقدر بثمن لأي طالب وللوالدين أيضا، فالتقرير المدرسي للعالم البريطاني غوردن يقدم دروسا مهمة لمدرسين اليوم، فالتقرير المدرسي يمكن أن يكون أداة مدمرة للطالب، أو وسيلة لدفعه وتحفيزه للتحدي والإصرار والعزيمة للتميز في المستقبل كما فعل العالم غوردن. فحقيقة أن يستمر السير غوردن في الحفاظ حتى الآن على تقريره المدرسي مع تعليقات أساتذته، إنما هو دليل على قوة التقرير وقيمته وأهميته التحفيزية في توجهه نحو العلوم، وصبره ومثابرته، فقد استوعب الدروس الصعبة التي أراد مدرس الأحياء أن يعلمه إياها، فقام بالعمل الجاد، وتمكن من معرفة الحقائق الأساسية والصحيحة الخاصة بالعلوم، وعلم نفسه وتعلم أن يكون متواضعا، وأصبح عالما كبيرا، حتى حصل على جائزة نوبل في الطب.