التعاون بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا

TT

عندما نفكر في الاستثمار في أفريقيا غالبا ما نفكر في الصين، ولكن التحول الواضح في التجارة العالمية لا يسير تماما في اتجاه واحد. وخلال العقد الماضي عملت على إدارة مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية في الصين، مثل المحطة الثالثة التابعة لمطار بكين الدولي الضخم، التي أدت إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للمطار بمقدار 43 مليون مسافر في العام. وعملت أيضا في قضايا التخطيط الاقتصادي في عدة دول أفريقية، ولذا فقد رأيت تأثير الاستثمارات الصينية بشكل مباشر، كما عملت في منطقة الشرق الأوسط بشكل مكثف لمدة تصل لنحو عقدين من الزمان ووجدت أن ثقافة دول مجلس التعاون الخليجي أقرب ما يكون إلى الثقافة الإنجليزية.

وتهدف الخطة الخمسية الثانية عشرة للصين إلى تحويل الاقتصاد الصيني من النمو القائم على التصدير إلى الاعتماد بشكل أكبر على الطلب المحلي، ولكن كان هذا هو هدف الخطة الخمسية الحادية عشرة والعاشرة أيضا ولكن لم يتحقق ذلك، حيث تعاني الصين من بعض القضايا المتأصلة التي تمنع تحقيق هذا الهدف. ولا يستفيد معظم العمال الصينيين من النمو، ولكن معدل الادخار يعد مرتفعا بالمقارنة مع البلدان الأخرى. ويشعر الشعب الصيني بالقلق من تكاليف الرعاية الصحية والتعليم ومعاشات المتقاعدين، علاوة على أنه غير متأكد من مدى تغير هذه التكاليف بمرور الوقت، ولذا يلجأ الصينيون إلى ادخار المزيد.

وتحقق الصين معدلات نمو مرتفعة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وبالتحديد منذ الاعتماد على سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978. ومع ذلك، هناك مخاوف جدية من عدم قدرة الصين على الحفاظ على الوضع الحالي للنمو الاقتصادي لفترة أطول، ويرى البعض أنه لا يتعين على الصين السعي لمواصلة النمو، نظرا للآثار الجانبية لذلك.

ويعتمد النمو الصيني بشكل كبير على الاستثمار، وربما الإفراط والمبالغة في الاستثمار، ولذا لن يكون إعادة التوازن الاقتصادي في الصين بالشيء الهين في المستقبل القريب. وتشير التجارب السابقة إلى أن الموقف الخارجي للصين يتأثر كثيرا بالظروف العالمية، حيث تقفز نسبة الفائض إلى الناتج المحلي الإجمالي أثناء فترات رواج الاقتصاد العالمي وتهبط أثناء فترات الركود. وعلى العكس من ذلك، تهبط نسبة الاستهلاك الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ويشعر كثير من المحللين بأن الصين تواجه صعوبات أكبر للحفاظ على الوضع الحالي للنمو الاقتصادي.

وقد أثر الركود الذي شهدته أوروبا مؤخرا على الصادرات الصينية بشكل سلبي، ومما لا شك فيه أن هذا هو العامل الأبرز وراء الانخفاض الحالي لنسبة الاستهلاك إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، كما أثر هذا على أفريقيا، لأن الصين ليست بحاجة إلى نفس كميات المواد الخام التي كانت تستوردها من الدول الأفريقية. ومن المرجح أن يعتمد تعافي الاقتصاد الأوروبي بشكل أقل على الصين، وهو ما يتيح كثيرا من الفرص لدول أخرى في القارة السمراء.

وبصورة عامة، تميل الدول الناشئة إلى أن يكون لديها معدلات استثمار مرتفعة خلال فترات النمو السريع، حيث يكون العائد على رأس المال أعلى بسبب انخفاض تراكم رأس المال. وتتمتع الصين بوجود عائد مرتفع على رأس المال، ولكن لم تشهد أي دولة ناشئة أخرى هذه النسبة العالية من الاستثمار.

وأشار تشو شياو تشوان محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) إلى أن الغالبية العظمى من العمال الصينيين لم يستفيدوا بشكل كبير من الأرباح المتزايدة لقطاع الشركات، وربما يكون هذا أحد الأسباب في أن الاستثمار الصيني في أفريقيا لم يؤد إلى تحسين مستوى معيشة كثير من المواطنين الأفارقة.

وتركز التغطية الإعلامية بشأن الوجود الصيني في أفريقيا على الاستثمار بشكل كبير، مثل التركيز على أخبار المهندسين الصينيين الذين يرتدون قبعات صلبة ويقفون على جوانب الطرق الجبلية في إثيوبيا، وأخبار المزارعين الصينيين الذين ينتقلون إلى زامبيا. وفي سبيل زيادة نفوذها الاقتصادي في القارة السمراء، تبذل الصين جهودا حثيثة في الوقت الراهن لكي تصدر ثقافتها إلى الشعوب الأفريقية. وخلال العام الماضي، تفوقت الصين على الولايات المتحدة وأصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا، لتؤكد للغرب أنها تقاتل من أجل الحفاظ على نفوذها في الدول الأفريقية. وفي الوقت الذي تنتشر فيه البضائع والسلع الصينية في كل مكان في القارة السمراء بداية من العاصمة النيجيرية لاجوس، وحتى القرى القبائلية الصغيرة في إثيوبيا نتيجة ثمنها الرخيص، لا يزال الأفارقة، ولا سيما الشباب منهم، معجبون بالثقافة الأميركية ويحاولون تقليدها. وعلاوة على ذلك، تلقى كثير من سكان دول مجلس التعاون الخليجي تعليمهم في الجامعات الأميركية والبريطانية ويفهمون تلك الثقافات جيدا.

وتعد بريطانيا شريكا تجاريا مهما للغاية لدول مجلس التعاون الخليجي، وأعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي أقرب إلى شركائها التجاريين الغربيين من الناحية الثقافية والاقتصادية منها إلى الشركاء الشرقيين، كما أود أن أشير إلى أن بريطانيا أكثر انفتاحا على الاستثمارات في دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة. إننا نفهم بعضنا ونعمل مع بعضنا البعض بصورة رائعة.

والسؤال الذي يطرح نفسه إذا هو: لماذا لا نسعى إلى التعاون مع القارة السمراء، بدلا من التنافس معها؟ وتعمل الشركات والمؤسسات الأكاديمية البريطانية مع شركائها الخليجيين بهدف تطوير وتنفيذ الصناعات والتقنيات في المستقبل، ويتعين علينا أن نعمل معا في بلدان أخرى لأن التعاون بيننا سوف يصب في مصلحتنا جميعا في نهاية المطاف.

وتعد البنية التحتية القوية في أفريقيا هي مفتاح النجاح لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وأشار نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة أفريقيا أوبياجيلي إيزيكويسيلي، إلى أن البنية التحتية الحديثة تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد، وأنه لا سبيل إلى تحقيق نمو اقتصادي من دونها. وتعد أفريقيا قارة ناشئة وتشهد توسعا حضاريا سريعا ونموا كبيرا في حجم الطبقة الوسطى وعدد السكان الشباب، أما بريطانيا فتتميز بقدرة كبيرة على تصميم وبناء وتشغيل البنية التحتية، كما تعد بريطانيا هي الدولة الرائدة في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وعلاوة على ذلك، تملك دول مجلس التعاون الخليجي خبرة كبيرة في مجال البنية التحتية.

ومن المتوقع أن تصبح نيجيريا أكبر اقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2012، ولكنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة في مجال البنية التحتية حتى تحقق هذا الهدف، وهو ما سيتطلب بالطبع ضخ استثمارات ضخمة من جانب القطاع الخاص. ومن المطمئن للغاية أنني قد عملت مع مجموعة من المسؤولين البارزين ومشاركين من القطاع الخاص من نيجيريا خلال الأسبوع الماضي، حيث قمت بإدارة فصول لطلاب الماجستير بمؤسسة «بريتش اكسبرتيز» على مدار ثلاثة أيام، وكانت تدور حول أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمشاركين من ولايات لاجوس وريفرز وأويو النيجيرية، وطالبت مجموعة أخرى من المشاركين بعقد فصول أخرى الشهر المقبل. وفي وقت سابق من الصيف التقيت بمجموعة مكونة من 26 عضوا في مجلس النواب النيجيري، الذين كانوا في زيارة للندن لمدة أسبوع لمناقشة الأمور المتعلقة بوضع الميزانية. وتقدم نيجيريا فرصا جيدة للاستثمار، كما أنها منفتحة للغاية على الاستثمارات العالمية. وتحظى بريطانيا بثقة كبيرة من جانب كثير من البلدان الأفريقية ويمكنها أن تعمل بشكل جيد مع المنظمات والهيئات التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي بهدف تطوير فرص جديدة في القارة السمراء.

وعلى الرغم من أن الدول الأفريقية قد تلقت تدفقات استثمارية هائلة من الصين، فإنها قد واجهت بعض العوائق، مثل التأثير السلبي لتلك الاستثمارات على التجارة المحلية، علاوة على أن العمالة الأفريقية لم تستفد، في بعض الحالات من الاستثمارات الصينية. وكتب الصحافي السنغالي أداما غاي، مؤلف كتاب «الصين وأفريقيا: التنين والنعام» يقول إنه من السذاجة أن نعتقد أن الاهتمام المفاجئ بالقارة السمراء من جانب الصين هو نوع من أنواع الأعمال الخيرية.

وفي رد فعل واضح على القلق من سمعة الصين في أفريقيا، حثت بكين الشركات الصينية على تدعيم أواصر الصداقة مع المجتمعات المحلية. وقد دخلت الصين في شراكة مع وزارة التنمية الدولية في بريطانيا لرصد ومراقبة الأثر الاجتماعي والبيئي للاستثمارات الصينية. ولو نجحت بريطانيا وشركات دول مجلس التعاون الخليجي في القيام بمشاريع تجارية مشتركة في الدول الأفريقية، فسوف يكون هناك ضمانات مناسبة من الناحية التجارية والبيئية بالنسبة لنا. وتظهر بعض المشكلات الأخرى على السطح بسبب تصرف الصين بشكل يعتمد على العرقية بصورة كبيرة، حيث يفضل الصينيون توظيف شعبهم، وليس فقط المواطنين الصينيين، ولكن أيضا شعوب نفس المنطقة والعائلات التي يعرفونها ومعتادون على التعامل معها، أما بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي فمعتادة على التعامل مع أشخاص من دول مختلفة وحصر جوانب الاستثمار على مناطق بعينها، وسيكون هذا جيدا لكافة الأطراف المعنية.

وسوف نركز الأسبوع المقبل على موضوع التعاون بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا بصورة أكبر.

* أستاذ زائر في كلية لندن متروبوليتان للأعمال ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «ألترا كابيتال»