المملكة العربية السعودية: قصة أرباح الأسهم

TT

بعد فترة استمرت نحو 60 عاما من تزايد الاعتماد على القروض، بدأت الاقتصادات المتقدمة - خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تمثلان نحو 52 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي - تمر بعملية تقليل في الاعتماد على القروض، وهذه العملية يرجح أن تبطئ من وتيرة التعافي الاقتصادي وتطيل من فترة تباطؤ النمو.

وفي اقتصاد مثل الولايات المتحدة حيث تمثل الأسر نحو 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، عادة ما يحتل تقليل الديون موقع الأولوية أثناء أي عملية لتقليل الاعتماد على القروض، وعندما يقترن هذا بعدم فعالية السياسة النقدية في توفير الائتمان في ظل هذه الظروف، فإنه يصبح من الصعب تحفيز نمو الائتمان لأن المقترضين يظلون مكبلين بمديونيات مرتفعة.

والاقتصادات التي تعمل على تقليل الاعتماد على القروض عادة ما تضطر إلى اتخاذ اختيارات غير مستساغة بين التقشف و/أو تحويلات الملكية من الدائنين إلى المدينين لتسهيل سداد الديون و/أو إعادة الهيكلة و/أو «الكبح المالي»، وهذا الكبح المالي - الذي هو عبارة عن عملية تفرض فيها المصارف المركزية أسعار صرف حقيقية سالبة من أجل تسييل مديونيتها - عادة ما يكون خيارا شعبيا. ومع ذلك، فإن هذا لا يعتبر حلا سريعا، ومن المتوقع أن تمتد هذه العملية على الأقل على المدى المتوسط، هذا إذا كانت للتاريخ أي دلالة. ففي أعقاب الحروب النابليونية، تضخم الدين العام في بريطانيا ليصل إلى 260 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، واستغرق الأمر أكثر من 40 عاما لتقليله إلى نحو 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في حقبة شهدت حراكا كبيرا لرؤوس الأموال بتعزيز من قاعدة الذهب.

وهذا السياق العالمي هو الذي يكافح فيه المستثمرون من أجل تحقيق عائدات في فضاء استثماري يزداد صعوبة، إلا أن العناصر المبينة في ما يلي تدل على أن الفرص ما زالت موجودة في البلدان التي تتمتع بأساسيات اقتصاد كلي قوية.

إن الأسهم السعودية تقدم فرصة استثمارية مقنعة في ظل وجود أساسيات قوية في المكونات الثلاثة الرئيسية من عائدات الأسهم وهي: (1) التوسع الهائل، (2) نمو الأرباح، (3) عائد الربح الموزع. ورغم أنه ما زال من السابق لأوانه استخلاص نتائج قوية من إجمالي العائد التاريخي لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بالنسبة لمؤشر «تاسي»، فإن مؤشر «تاسي» للأسهم السعودية يدر حاليا عائدا قدره 3.75 في المائة، في مقابل 2.2 في المائة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» و3.27 في المائة لمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة.

ورغم الرأي السائد بأن إعادة استثمار مبالغ كبيرة من الأرباح المحتجزة تعتبر أمرا أساسيا من أجل زيادة سرعة النمو في الأرباح المستقبلية، فإن هناك أدلة قوية تبين أن هناك تناسبا طرديا أكبر بين هذا وتوزيعات أرباح الأسهم، في ظل أن 43 في المائة تقريبا من عائدات المستثمرين من مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» تقوم على أرباح الأسهم. وقد أصبح الكثيرون اليوم يعترفون بأننا نشهد بيئة أسعار صرف منخفضة، وسوف نظل كذلك في الوقت الراهن، مما يؤكد أكثر على ما تتمتع به استراتيجيات العائد على أرباح الأسهم من إمكانيات. وعلى هذا، فنحن نرى أنه من الفطنة أن نضع في أذهاننا أنه ما بين عامي 1926 و2009 كانت أرباح الأسهم تمثل 4.1 في المائة من العائدات، في مقابل 5.5 في المائة من ارتفاع قيمة رأس المال.

فعند مضاعف أرباح العقود المستقبلية البالغ «11X» (في مقابل مضاعف 14X في المتوسط في الأسواق الناشئة)، فإن البورصة السعودية تتداول ليس باعتبارها اقتصادا ناشئا يشهد طفرة، بل باعتبارها مؤشرا نجح في عبور الأزمة ويقدم نموا بسعر معقول، وصورة تقييم جاذبة بين الأسواق الناشئة.

ومقاييس التقييم وحدها لا ترصد المدى الكامل للفرصة بعيدة المدى، سواء من حيث قدرة القطاع العام أو القطاع الخاص. ومن ضمن عوامل التمييز في ما يتعلق بالأسواق الناشئة العادية الانخفاض الجوهري في الاعتماد الكلي على القروض داخل النظام، وقوة الميزانية السيادية، ووجود قوة دفع إيجابية في صورة نمو تقوده المدخلات أثناء عملية التحول إلى دولة صناعية، بالإضافة إلى وجود سكان معظمهم من الشباب ومن المرجح أن يستمروا في ضخ المدخرات من خلال أسواق رأس المال المحلية.

وما زال معظم سكان السعودية تحت سن 30 عاما، ورغم أن البطالة تعد مشكلة كبرى فإن عملية التحول الصناعي التي تسير فيها الحكومة حفزت النمو من أجل التصدي لمظاهر التباطؤ، كما أنها ساعدت على مواجهة تحدي زيادة أعداد الشباب، وصغر أعمار السكان يدر المدخرات على أسعار الأصول المحلية. ففي الولايات المتحدة، بدأت أرباح الأسهم الخاصة بجيل طفرة المواليد عام 1965، وبلغت ذروتها عام 2005، حيث ارتفعت الأسواق خلال هذه الفترة بنسبة 11 في المائة في المتوسط، ويعود الفضل الأول في ذلك إلى مدخرات حسابات التقاعد التي تم ضخها في تداول الأسهم.

وعند مستوى يقترب من 3.2 في المائة (في مقابل 4.5 في المائة في الأسواق الناشئة)، فإن السعودية لديها ثاني أقل مستوى من القروض غير منتظمة السداد في منطقة الخليج بعد قطر، حيث تحتفظ المصارف بنسبة كفاية رأس مال تبلغ 17 في المائة. وقد تراجعت الالتزامات الأجنبية في النظام المصرفي إلى 25 في المائة من الأصول الأجنبية، في مقابل 75 في المائة وقت الانهيار الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة. كما أن نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول لدى المصارف السعودية (التي تبلغ 31 في المائة) تفوق المتوسط السائد في منطقة الخليج (وهو 21 في المائة) والأسواق الناشئة (وهو 26 في المائة)، كما تبلغ نسبة القروض إلى الودائع 85 في المائة، في مقابل متوسط 104 في المائة في الخليج و89 في المائة في الأسواق الناشئة. ومع وصول السعودية إلى فائض مضاعف يتجاوز 20 في المائة ودين خارجي لا يتعدى 17 في المائة من إجمالي الناتج المحلي واحتياطيات تتجاوز 500 مليار دولار أميركي، فإن قوة ميزانيتها تصبح بلا مثيل. كما أن الالتزامات العرضية داخل النظام المصرفي أقل بكثير مقارنة بالأسواق المتقدمة والناشئة، نتيجة للانفتاح التدريجي في الحساب الرأسمالي والضوابط التنظيمية الحذرة، مما ساعد على ضمان أن يوجد لدى القطاع المصرفي رأس مال يكفي للحفاظ على مصد يحميه من تقلبات الأسواق العالمية.

وسوف يؤدي قانون الرهن العقاري الذي صدر مؤخرا إلى زيادة انكشاف المصارف على سوق إسكان متنامية تفتقر إلى أسهم رأس المال، وتشكل قروض الإسكان 3 في المائة فقط من المحافظ الاستثمارية للمصارف و2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في مقابل 5 في المائة و10 في المائة على الترتيب في منطقة الخليج، رغم أن السوق العقارية في السعودية أكبر بكثير بعدة أضعاف من أي بلد آخر أو سوق أخرى في بلدان الخليج. وتبلغ نسبة الدين إلى الدخل في الأسرة السعودية 40 في المائة، في مقابل 114 في المائة في الولايات المتحدة و148 في المائة في المملكة المتحدة و99 في المائة في أوروبا، بينما تظل ملكية المنازل عند نسبة 30 في المائة، والمضي قدما سوف يؤدي إلى إحداث تأثير متنام يشجع على المزيد من النمو الذي تقوده المدخلات. ونتوقع أن نشهد مستقبلا زيادة في الاستثمار في البنية التحتية، ومن بين أهداف ذلك دعم إنشاء 500 ألف وحدة سكنية تم تخصيص مبلغ 67 مليار دولار أميركي لها عام 2011.

* خبيرة اقتصادية