علامات استفهام من شاهد عيان على عمليات الإنقاذ المالي

TT

لقد أصبح من الخيانة للوطن تقريبا التساؤل عن جدوى حزم الإنقاذ المصرفي الكثيرة والسخية التي تم تقديمها عام 2008 وما بعده، وإذا كان لديك من التهور ما يجعلك تفعل ذلك، فأغلب الظن أنك ستسمع أن حزم الإنقاذ المالي كانت هي الشيء الوحيد الذي يحول بيننا وبين الانهيار المالي، وسوف يخبرونك أيضا، بعد مرور 4 سنوات على ذلك، أن الكثير من حزم الإنقاذ المالي قد أدرت أرباحا. ومن الصعب الاعتراض على هذه الرواية في ظل عدم معرفة ما كان سيحدث لو أن تفكيرا أكثر عقلانية هو الذي ساد، غير أن شيلا باير، الرئيسة السابقة لـ«المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع»، لديها ما يجعلها تشكك في العقيدة الجامدة لفريق الإنقاذ المالي، وهي تفعل ذلك مرارا وتكرارا في كتابها الجديد «الإمساك بالثور من قرونه» (Bull by the Horns) الذي تتحدث فيه عن الأزمة المالية. وبصفتها واحدة من المشاركين الرئيسيين في المعارك التي أحاطت بحزم الإنقاذ المالي، وربما الشخصية الأكثر رزانة ورباطة للجأش في الحضور، تقدم باير بعض الكلام الصريح الذي يعبر عن جزء مهم من التاريخ ورد على القناعة التقليدية.

وكما وصفتها باير، فإن الأحداث التي وقعت في خريف عام 2008 أظهرت أن كثيرا من الجهات التنظيمية المالية كانت تحاول باستماتة أن تجعل أي أحد غير الذين تسببوا في الأزمة المالية يدفع ثمن الخراب الذي أحدثته. على سبيل المثال، تقول باير إن دافعي الضرائب وكثيرا من المصارف الأصغر حجما التي تمول صندوق «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» الذي يؤمن على ودائع المصارف كانوا هم الأكثر احتمالا في أن يتم تحميلهم مسؤولية تكاليف الإنقاذ المالي، وغني عن القول إن هؤلاء الناس لم يكن لهم أي صوت على طاولة اجتماعات الإنقاذ المالي.

وما يثير الضيق أكثر أنه كان يتم إسكات باير و«المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» كلما أثارا مع الجهات التنظيمية مسألة تغيير إدارة أحد المصارف المتعثرة أو طالبا بأن تجبر عملية الإنقاذ المالي المصرف على تقديم قروض جديدة من الأموال التي يحصل عليها. وعندما اقترح خبراء «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» منع مصرف «سيتي غروب» من صرف علاوات لمسؤوليه التنفيذيين في حال تحملت الحكومة خسائر الأصول التي كانت قد ضمنتها، رفضت جهات تنظيمية أخرى الأخذ بهذا الاقتراح.

ولكن لعل الحكاية الأكثر كشفا تعود إلى أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008، عندما قام هنري بولسون وزير الخزانة بدعوة باير لزيارته في مكتبه، ولم يتم تحديد سبب هذا الاجتماع، وعندما وصلت كان بين بيرنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد سبقها إلى هناك، بينما كان تيموثي غيثنر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك حينها موجودا على الهاتف. وتم تسليم باير ورقة فأدركت أنه قد تم إعداد كمين لها؛ حيث كانت هذه الورقة تتضمن وثيقة أعدتها لها وزارة الخزانة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتنص على أن «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» تقترح أن تضمن جميع الالتزامات المستحقة داخل النظام المالي، والمذهل في الأمر أن هذا الضمان سيغطي جميع المودعين بالمصارف بل ويحمي حتى المطالبات التي ليس لها ضمانات ضد المؤسسات المالية. باختصار، كان المطلوب من «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» هو أن تدعم «كل شخص ضد كل شيء في النظام المصرفي الذي يبلغ حجمه 13 تريليون دولار»، على حد تعبير باير نفسها.

وقد ردت عليهم وهي مشدوهة قائلة إن عليها مناقشة هذه الخطة مع مجلس إدارة «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع»، وبعد بضعة أيام تم التوصل إلى خطة أفضل وأقل تكلفة. وذكرت باير في حوار أجري معها الأسبوع الماضي أنها لو كانت قد نفذت ما طلب منها، «لكان كل من يحمل دينا مصرفيا قد حصل فورا على ربح من الهواء»، نظرا لارتفاع قيمة سنداتهم وأوراقهم المالية المصرفية الأخرى بفضل الدعم الذي تقدمه «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع». وأضافت: «بالطبع لم أكن لأفعل هذا، وانتهينا ببرنامج لا يضمن سوى تجديد أجل الديون المنتهية، الذي هو مكمن المشكلة، كما قمنا بتحصيل رسوم على ذلك».

ولم تكن باير تعرف ذلك وقتها، لكن هذا الموقف كان الأول من ضمن مواقف كثيرة كانت وزارة الخزانة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي يأملان فيها أن يلقيا بالمسؤولية كلها على عاتق «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع»، وقد اعترضت هي على ذلك قدر استطاعتها؛ حيث كانت ترى أن هذه الخطوات هي محاولة لإلقاء المسؤولية عن سلوك فاضح على عاتق مئات المؤسسات الأصغر حجما التي لم تفعل أي شيء للتسبب في الأزمة المالية.

والموضوع الآخر المثير للقلق في كتاب باير يتضمن تمييز السلطات التنظيمية العليا في المعاملة مع مصرف «سيتي بنك» وشركته الأم، فحتى عندما تكبد المصرف خسائر بالمليارات بسبب أنشطة الرهن العقاري والمشتقات خلال عامي 2007 و2008، تقول باير إنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات رقابية ذات معنى ضده، سواء من قبل «مكتب مراقب العملة» أو مجلس الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، وهما الجهتان التنظيميتان الرئيسيتان اللتان تشرفان عليه. وتعلق باير: «أي مصرف أصغر حجما لديه هذه النوعيات من المشكلات كان سيصدر له أمر رقابي يلزمه فورا باتخاذ إجراء تصحيحي، وكان سيتم إدراجه على قائمة المصارف المتعثرة. ولكن بدلا من ذلك، لم يحرك مكتب مراقب العملة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك ساكنا بينما يستمر ذلك المصرف المريض في توزيع أرباح أسهم كبيرة وادعاء أنه في وضع مالي جيد».

وعلى مدار حزم الإنقاذ الثلاث التي حصل عليها مصرف «سيتي غروب» في النهاية، ظلت باير تتفرج على الجهات التنظيمية وهي تغدق المزايا على المصرف وتحاول أن تورط «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» في سداد الفاتورة. وهي تقول: «المشكلة الأكبر كانت عدم العدالة إلى ذلك المدى البعيد الذي ذهبت إليه الحكومة، من أجل حماية هذا المصرف وإدارته ومساهميه وحملة سنداته».

وماذا عن الادعاء القائل إن كل حزم الإنقاذ المالي حققت أرباحا؟ ترد باير في الحوار الذي أجريته معها مؤكدة أن أيا من العمليات الحسابية التي استخدمت في التوصل إلى هذه المكاسب كان يضع في اعتباره الدعم المالي الذي حصلت عليه المصارف في صورة رأسمال رخيص وقروض بأسعار فائدة منخفضة وضمانات للديون.

وفي كتابها، ترصد باير 13 إجراء ترى أنها كانت ستجعل المؤسسات المالية أكثر قوة والجهات التنظيمية أكثر فعالية، وحتى مجرد القليل من هذه الإجراءات — مثل تقسيم المصارف الضخمة وزيادة اشتراطات رأس المال وغلق الباب الدوار الموجود بين القطاع المصرفي ومن يتولون الرقابة عليه — كان سيحقق فوائد فورية وواسعة. وفي غضون ذلك، تقول باير إن ما يحبطها هو انعدام الرغبة لدى الجهات التنظيمية في حماية الأمة من التعرض لأزمات مالية مستقبلية؛ حيث قالت لي: «كنت أتمنى لو أن الجهات التنظيمية كان لديها تركيز أكبر على ضمان عدم تكرار عمليات الإنقاذ المالي مرة أخرى. ولكن بعيدا عن المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، لا أشعر بأن هناك التزاما حقيقيا بضمان ألا تضطر الحكومة أبدا إلى التدخل».

ومن وجهة نظر باير أن ذلك الفشل كان له تأثير حقيقي على الاقتصاد الأميركي؛ حيث تقول: «استراتيجيات الإنقاذ المالي التي نسير عليها لم تنظف أصول الرهن العقاري الرديئة، ولم نجبر المصارف على تحمل الخسائر. لم نطبق أي مساءلة، ولم نجر أي إعادة هيكلة أساسية. لقد كنا مثل اليابان، وأظن أنه قد أصبح لدينا تعاف على الطريقة اليابانية بسبب هذا».

وبعد رحيلها عن «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» عام 2011، تهتم باير حاليا بمشكلات السياسة المالية في «مؤسسة بيو للصناديق الخيرية»، كما تترأس «مجلس مخاطر النظام المالي»، وهي منظمة قطاع خاص أسهمت «مؤسسة بيو للصناديق الخيرية» في تكوينها وتهتم بمشكلات النظام المالي. وختمت باير الحوار بقولها: «توازن القوى تغير كثيرا لصالح المصالح المالية الكبيرة في واشنطن. عمليات الإنقاذ المالي والتسهيل الكمي المستمر أفادا بصورة ساحقة الطبقات الأعلى، أما العمال وأصحاب المنازل والشركات الصغيرة بشكل عام فقد تم تركهم كي يتدبروا أمورهم بأنفسهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»