حديث أوباما ورومني الأجوف عن سوريا

TT

في ظل بحث محموم عن اتفاق بين الحزبين في واشنطن، يمكنني ذكر شيء أشبه بانفراجة، رغم أن أيا من الطرفين لن يعترف بذلك، يتفق ميت رومني وباراك أوباما على ما ينبغي القيام به حيال الحرب الأهلية السورية، وهو أن يدعا القتال يستمر. هذا النهج يجدي نفعا حتى هذه اللحظة، فقد وصل عدد القتلى إلى نحو 30 ألفا، مضافا إليه المئات الذين يقتلون يوميا. وللنساء والأطفال نصيب لا بأس به من هذا الرقم.

وهناك قدر كبير من المعاناة والدمار المادي الهائل كما يكون الحال في أي حرب. يمكن أن يستمر كل هذا، بموجب الاتفاق بين الحزبين، إلى أن يدرك الحاكم المستبد بشار الأسد أن الحياة قد تكون أفضل كثيرا في الريفيرا الفرنسية. ومع هذا سيستغرق هذا الأمر بعض الوقت. وسدد رومني عبر خطابه الكبير عن السياسة الخارجية - الذي لم يكن فيه محددا - ضربة قوية لأوباما فيما يتعلق بسوريا. وقال خلال الشهر الحالي: «لقد فشل الرئيس في اتخاذ وضع القيادة في الشأن السوري. ويشارك المتطرفون الذين يتبنون نهجا عنيفا حاليا في القتال. وتعرضت تركيا حليفتنا لهجمات. ويهدد الصراع الاستقرار في المنطقة». هذا صحيح بالفعل، بل صحيح جدا. ما الذي يقترح رومني أن تفعله الولايات المتحدة إذن؟ هل يوصي بفرض منطقة حظر جوي تمنع الأسد من استخدام المروحيات المقاتلة في قصف حلب والمدن الأخرى؟ لقد سألت حملته الانتخابية وأجابت بالنفي. لذا، هل كان رومني يعني تزويد الثوار السوريين بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات؟ كانت الإجابة بالنفي أيضا. ستسهل إدارة رومني بالأساس تدفق الأسلحة الثقيلة، لكن هذه الأسلحة مقدمة من آخرين. ربما يكون هذا ليس بالمساعدة الكبيرة، لكنه على الأقل أكثر مما تفعله إدارة أوباما.

ثبت أن كل التوقعات بانتهاء الحرب سريعا خاطئة. لقد استخدم الأسد جيشه وقواته الجوية وأجهزة الاستخبارات المحلية ضد شعبه. ولا داعي لأن أذكركم بأن هذا الشعب هو المسلمون من خارج الطائفة العلوية. وللمفارقة تبين صحة كل التوقعات بما سيحدث في حال تدخل الغرب، فقد حدث ذلك دون أي تدخل. لقد انتشرت حمى الحرب وأصبحت تركيا أكثر عدوانية تجاه سوريا، بل وتبدو متحفزة للقتال.

وربما يترتب على هذا الصراع قتال في لبنان رغم أنه من الصعب تحديد السبب، لكن في النهاية سيعمل الأسد على إثارة الاضطرابات هناك. إن هذه هي الصفحة الثانية من الكتاب السياسي السوري. يشعر الأردن بالقلق مما يمكن أن يحدث. عليه استقبال عدد لا يحصى من اللاجئين، حيث يضم معسكر واحد 9 آلاف سيدة سورية، 720 منهن حوامل، ويفتقر إلى الوسائل الضرورية للحياة. وتقدم الأمم المتحدة مساعدات. ولا يزال النظام في الأردن، صامدا، لكن لا ينبغي التعويل على ذلك.

على الجانب الآخر، يعمل الجهاديون - الذين لا يجيدون القتل فحسب، بل الحصول على الأسلحة أيضا - على تهميش وإبعاد أفراد الطبقة الوسطى السورية من المتعلمين الذين قادوا المظاهرات التي تحولت إلى ثورة. لا يستطيع أي أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة، السيطرة على وصول الأسلحة إلى أيدي الثوار لضمان عدم حصول المتطرفين على أسلحة لا ينبغي لهم الحصول عليها. وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فسوف ينتهي الحال بوقوع هذه الأسلحة في أيدي أعداء أميركا كما حدث في أفغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي.

كنا نستطيع تفادي الجانب الأكبر من هذا لو كانت الولايات المتحدة اتخذت موقفا مبكرا حاسما تدعم فيه الثوار السوريين. عوضا عن ذلك، كان أوباما يلجأ عبثا إلى كل من كوفي أنان وفلاديمير بوتين للمساعدة في وضع حد للحرب في الوقت الذي كان ينبغي فيه التحضير لهجمات جوية.

لقد كان هذا هو ما ساعد في تحقيق الغرض في البوسنة وكوسوفو، وحتى في ليبيا، حيث كان الهدف هو خلع العقيد معمر القذافي ووقف حمام الدماء، وقد أجدى هذا نفعا. إن مجرد الإبقاء على طائرات الأسد على الأرض كان ليوضح للجيش السوري أنه كان يلعب مع الرجل الخطأ، وكان سيتبع ذلك انشقاقات، لكن ما فعله أوباما هو أنه ترك الموقف ينحرف ويزداد سوءا. لقد كان لديه فرصة لتخليص المنطقة من حاكم مستبد ويدع نظاما سنيا، ضد إيران، يحل محله على حدود إسرائيل الشمالية؛ هذه الحدود التي يصطف عليها ما يزيد على 33 ألف صاروخ لحزب الله موجهة نحو إسرائيل.

كانت كلمات رومني في خطابه الخاص بالسياسة الخارجية عن سوريا قوية، لكن مقترحاته كانت فاترة. لا بديل عن القيادة الأميركية. إذا كان سيتم تزويد الثوار السوريين بأسلحة، فعلى أميركا تنظيم توزيع تلك الأسلحة، وإذا كانت هناك حاجة إلى فرض منطقة حظر جوي، فلا توجد سوى أميركا قادرة على ذلك لا تركيا، القوة الاستعمارية القديمة. لقد كان رومني موفقا عندما أشار إلى افتقار أوباما إلى حس القيادة فيما يتعلق بسوريا. وكان من الأفضل أن يعمل هو من أجل الحصول على بعض هذا الحس لنفسه.

* خدمة «واشنطن بوست»