أشخاص الضياع

TT

كتاب جديد لأمين معلوف. البعض ترجم عنوانه إلى العربية «التائهون»، ولدي اعتقاد بأن الأقرب إلى المقصود هو «الضائعون». فالرواية لا تتحدث عن التيه في المكان، بل عن ضياع مجموعة الأشخاص الذين تتألف منهم، أو يؤلفونها.

الذين قرأوا أعمال أمين معلوف سوف يكتشفون عندما يتأملونها أو يعيدون قراءتها أن الكاتب لم يخرج عن هم يطارده منذ كتابه الأول «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، وهو هم التلاقي بين الهويات البشرية. وقد تكرر الإيقاع في الكتاب الذي أطلق شهرته «ليون الأفريقي»، قصة حسن الوزان، الذي أصبح كبير العلماء عند الفاتيكان. وفي «حدائق النور» يبحث المعذبون عن بعضهم بعضا. وفي «سمرقند» يحاول أن يخرج عمر الخيام عن دائرة الملاحقة. وفي «جذور» أو «أصول» يغوص في سيرة عائلته من جده إلى أعمامه، ومن قريته إلى هافانا وبوسطن، لكي يعرض لنا عائلة متسامحة ومنفتحة ولا ترتضي البقاء ضمن البوتقة التي ولدت فيها. وفي «الهويات القاتلة» و«اختلال العالم» ينتقل الروائي إلى الحقائق والتاريخ لكي لا يبلغنا بأنه لا يفهم ولا يقبل هذه النزعة البشرية إلى الرفض والقتل والتناكر والتباعد.

في «موانئ الشرق»، ربما الرواية الأقل رواجا، تظهر في عمل أمين شخصية اليهودي العربي من خلال قصة حب. وفي «الضائعون» تظهر للمرة الثانية، ضمن سرد روائي أيضا. لكنها ليست شخصية رئيسية كما في «موانئ الشرق». الضائعون هم مجموعة أبطال متساوين تقريبا، والبطل الأول هو لبنان الذي تفجر في حرب 1975 ففجر معه النسيج الاجتماعي القديم، الذي كانت تمثله بيروت: الميناء الذي يتسع للجميع، أو هكذا يعتقد الناس إلى أن يروا أنفسهم ذات يوم يهربون من هذا الميناء أو يتقاتلون فيه.

بعد هجرتهم، كل في دنياه، يعود الأبطال إلى بيروت ويجمعهم لقاء عند أحدهم. هل هم هم أنفسهم، أولئك الأصدقاء الذين كانوا متفقين على كل شيء ذات يوم؟.. على النظر إلى لبنان والمستقبل؟ ثم أي لبنان وأي مستقبل؟ وأي حياة هي الحياة التي ضاعت بهم وضاعوا بها؟

يقلد أمين نفسه بكل وضوح: البحث الهائل ثم إعادة البحث، والسرد الجميل، واحترافية الصناعة الروائية كما لو أنه فخاري اعتاد صناعة الأباريق فتأتي بدقة القالب ولكن من دون قالب. وعندما نقول إن أمين يقلد نفسه، فهذا عمل جميل.