انشقاق «الإخوان» بات جديا وأخطاؤهم أفقدتهم الساحة الأردنية!

TT

بخروج رئيس الوزراء الأردني الجديد عبد الله النسور من أرتال المعارضة، بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الأخيرة حيث كان الأكثر تطرفا في طلب حجب الثقة عندما كان عضوا في البرلمان الأردني عن ثلاث حكومات متلاحقة، أصيب الإخوان المسلمون بخيبة أمل كبيرة وشعروا أن ما يقولونه ويطالبون به في وادٍ وتوجه الأردنيين بغالبيتهم في وادٍ آخر وأنه عندما يجدُّ الجد لا يتوانى حتى كبار المعارضين عن الاستجابة إلى توجهات الملك عبد الله الثاني وتلبية رغباته والالتفاف حوله.

وكان هؤلاء، أي الإخوان المسلمون، قد أصيبوا بصدمة سياسية كبيرة وبخيبة أمل محبطة عندما بقوا يحشدون ويروجون إعلاميا لمظاهرة أرادوها هائلة وضخمة وبمثابة هزّ عصا أمام أنف الدولة الأردنية لكن المفاجأة كانت أن عدد الذين استجابوا لم يتجاوز الخمسة آلاف وخمسمائة شخص وهو الرقم ذاته الذي بقوا يدفعونه إلى ساحة المسجد الحسيني في مركز عمان القديمة منذ بداية هذا «الربيع العربي» الذي ما زالوا يصرون على أنه ربيعهم وربيع مجموعات وجماعات الإسلام السياسي في كل الدول العربية!!.

لقد أدى هذا إلى تفاقم الخلاف الذي كان محتدما في صفوف هذه «الجماعة» بين ثلاثة تيارات: تيار متشدد يمثله المراقب العام همام سعيد ومعه عدد من الشبان قليلي الخبرة والحنكة السياسية من ذوي الأصوات المرتفعة وتيار وسطي ومعتدل وواقعي ويؤمن بالتدرج من بين رموزه رئيس مجلس النواب الأسبق عبد اللطيف عربيات والشيخ الجليل فعلا سالم الفلاحات وتيار يعتبر نفسه أحد تيارات حركة «حماس» وهو بقي يتصرف ويمارس العمل السياسي منذ نهايات تسعينات القرن الماضي وفقا لما تريده هذه الحركة من الأردن ومن الساحة الأردنية.

وهكذا ولأن «الجماعة الأم» في مصر - وعلى رأسها المرشد العام للتنظيم العالمي محمد بديع - قد رفضت استقبال وفد من هؤلاء فإنهم ولتدارك أوضاعهم التنظيمية التي اقتربت من التصدع والانقسام قد سارعوا في الذهاب إلى بيروت للاحتكام إلى نائب المرشد العام الدكتور جمعة أمين الذي تشير كل التقديرات إلى أنه لم يستطع تقديم ما يحافظ على إناء زجاجي غدا متشظيا سوى إعطاء مجرد حقنة مهدئة قد تؤجل «طلاقا» بات تحصيل حاصل إن لأسابيع فقط أو لشهور قليلة.

والحقيقة أن «الإخوان» ليس في الأردن فقط وإنما في كل الدول العربية التي لهم فيها وجود فعلي وفي مقدمتها مصر وتونس وأيضا فلسطين التي يرتدون فيها الثوب الذي اسمه «حماس» لم يدركوا بعد أن استحقاقات ومعطيات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة تتطلب أن يقوموا بمراجعة شاملة لمسيرتهم، سياسيا وتنظيميا، منذ نهايات عشرينات القرن الماضي مرورا بأواسط أربعيناته وصولا إلى هذه التحولات الهائلة التي غدت تجتاح الشرق الأوسط وهذه المنطقة كلها والتي كان يجب أن تجعلهم يفهمون أن عليهم أن يتخلوا عن أسلحتهم القديمة وأن يبادروا إلى استبدال كل منطلقاتهم السابقة ويتحولوا من أحاديتهم وشموليتهم إلى الأخذ بمبدأ تداول السلطات وبالدولة المدنية والعلمانية وبـ«المواطنة» التي تضع كل الناس على قدم المساواة لا فرق بين مسلم وقبطي ولا بين المرأة والرجل ولا بين «الأمازيغي» والعربي.

وهنا وبما أن الحديث هو عن «إخوان» الأردن فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هؤلاء قد ارتكبوا خلال الفترة منذ أن بدأت رياح التغيير تهب على هذه المنطقة أخطاء «تكتيكية» ومنهجية فادحة والسبب أنهم سلموا أزِمَّة أمورهم لعدد من المغامرين الذين ليست لديهم لا الخبرة ولا الحنكة ولا الثقافة السياسية التي تؤهلهم لقيادة حركة تاريخية كبيرة في مثل هذه الأوضاع المستجدة الطارئة والمصيرية ولذلك فإن أول ما فعله هؤلاء هو التهديد بـ«العصيان» المدني وهو أيضا استهداف النظام الملكي وكل هذا في حين أن المعروف أن الشعب الأردني قد تكون لديه الكثير من الاعتراضات والشكاوى والتذمُّرات لكنه ومع هذا كله فإنه يعتبر أن استقرار الأردن مسألة مقدسة وأنَّ دونها جز الحلاقيم وهو يعتبر أيضا أن النظام الملكي ضرورة لاستقرار بلد جعله موقعه الجغرافي مهددا - دائما وأبدا - بالأطماع الإسرائيلية وبـ«الوطن البديل» وبأن يحصل فيه ما حصل وما يحصل في بعض الدول العربية القريبة والبعيدة.

أول هذه الأخطاء «التكتيكية» التي ارتكبها الإخوان المسلمون (إخوان الأردن) أنهم رفضوا الحوار وأنهم امتنعوا عن المشاركة في اللجنة التي شكلها لهذه الغاية العاهل الأردني عبد الله الثاني برئاسة رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري والتي كان من الضروري أن يشاركوا فيها وأن يدافعوا عن وجهات نظرهم حتى بما في ذلك ما يتعلق بالمواد الدستورية التي تحمل الأرقام: 34 و35 و36 المتعلقة بصلاحيات الملك والتي تنص إحداها وهي الـ35 على أن «الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء».

أما ثاني هذه الأخطاء القاتلة بالفعل، التي جعلتهم يخسرون الشارع الأردني وجعلتهم يضيعون فرصة تاريخية، فهي أنهم بدل الذهاب إلى الحوار والمشاركة في اللجنة التي شُكلت من أجله قد بادروا إلى وضع أنفسهم فوق غصن مرتفع في شجرة باسقة لم يستطيعوا النزول من فوقه وهو أنهم تمسكوا بقانون انتخاب لا هذا الزمان زمانه ولا هذا الوقت وقته وهو أنهم بادروا في وقت متأخر إلى الإعلان عن «المجلس الأعلى للإصلاح» الذي أطلق عليه الأردنيون اسم: «المجلس الأعلى لقيادة الثورة»!! والذي أبعدوا عنه أهم حلفائهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات مما عزز شكوك المعارضين الآخرين بأنهم يسعون للاستفراد بمستقبل الأردن مما جعل هؤلاء يقاطعون مظاهرة الخمسين ألفا الآنفة الذكر التي لم يشارك فيها إلا نحو عُشر العدد الذي جرى الترويج له.

أما ثالث أخطاء «إخوان» الأردن «التكتيكية»، التي يرى البعض أنها أخطاء استراتيجية، فهو أن هؤلاء قد بادروا إلى إعلان حرب شعواء ضد عملية التسجيل للانتخابات البرلمانية التي بات مؤكدا إجراؤها في الأسبوع الأول من السنة المقبلة لكنهم وجدوا أن كل تقديراتهم لم تكن دقيقة ولا صحيحة عندما رأوا بأمهات أعينهم أن نسبة الذين سجلوا تجاوزت الـ65% وأن كل هذا قد جرى بإشراف مباشر من قبل «هيئة الانتخابات العليا» التي هي هيئة مستقلة وليس لها أي صفة لا رسمية ولا حكومية.

في كل الأحوال لقد وضعت هذه الأخطاء القاتلة «إخوان الأردن» في وضع لا يحسدون عليه فانشقاقهم غدا مسألة وقت فقط والأردنيون بصورة عامة باتوا لا يؤازرونهم ولا يثقون لا بهم ولا بسياساتهم ولا يصدقون مواقفهم وغير معجبين بتوجهاتهم.. وكل هذا بينما بقيت القافلة الأردنية تسير بخطى وئيدة ثابتة نحو الإصلاح المنشود الذي لا خلاف عليه من قبل الشعب الأردني والذي تحقق منه تعديل 42 مادة دستورية من أصل 131 مادة هي كل مواد الدستور الأردني وكل هذا بالإضافة إلى تشكيل المحكمة الدستورية المنشودة وإنشاء الهيئة المستقلة العليا للإشراف على الانتخابات الآنفة الذكر وإقرار قانون انتخابات تضمن إضافات في غاية الأهمية بالإمكان تطويره من قبل البرلمان المقبل وهذا بالإضافة إلى إقرار عدد من القوانين الأخرى الرئيسية والهامّة.