لبنان.. بين طائرتين

TT

بين طائرة ركاب سورية أجبرتها السلطات التركية على الهبوط في أراضيها (وأتبعتها بطائرة أخرى أرمينية) وطائرة استطلاع إيرانية أطلقها حزب الله اللبناني في أجواء إسرائيل.. يتحسب الكثير من اللبنانيين من تطورات أمنية إقليمية، قد لا تجدي سياسة «النأي» عن أحداث سوريا في ردها.

في وقت تتقاطع فيه أزمات الشرق الأوسط وتتداخل، جملة وتفصيلا، بعضها في بعض، يعتقد الكثير من المراقبين السياسيين في بيروت أن حدثي الطائرتين، السورية والإيرانية، مؤشر أولي لأيام صعبة سيشهدونها في قابل الأيام.

مصدر قلق هؤلاء المراقبين يعود إلى ما يعتبرونه الخلفية الواحدة للحدثين، أي الثورة السورية وتطوراتها الأمنية المرشحة للمزيد من التصعيد.. لم تتوصل مهمة الأخضر الإبراهيمي إلى هدنة تتعايش خلالها الثورة مع فلول النظام إلى أن يحين استحقاق ما أو صيغة ما لتبادل السلطة.

لذلك، ورغم قناعة أولئك المراقبين بأن السلطات التركية توخت من تفتيش الطائرة السورية إثبات تواطؤ روسيا مع دمشق في خرق أنظمة الطيران المدني الدولية، وعدم تورع موسكو عن تحميل طائرة مدنية أجهزة ومعدات عسكرية الطابع - يعتبرون، من ناحية أخرى، أن للقرار التركي وجها آخر «داخليا» - إن صح التعبير - هو اختبار جدية التزام حلف الأطلسي استراتيجيتها السورية، وتحديدا حدود هذا الالتزام، في ظل التباين الأوروبي - التركي من «التدخل» في سوريا.

ولأن التعامل التركي مع الثورة السورية، منذ الأيام الأولى لاندلاعها، كان - ولا يزال - مرهونا بالتغطية الأطلسية لتحركاتها العسكرية، يعتقد الكثير من المراقبين اللبنانيين أن إخضاع الطائرة السورية للتفتيش في مطار أنقرة كان الاختبار التركي الأول لسقف التغطية الأطلسية لسياسة المواجهة مع النظام السوري.

وفي ضوء ما يظهره رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، من «ضيق صدر» حيال ما يعتبره اعتداءات سورية على أمن بلاده وسيادتها - لا يستبعد بعض المراقبين أن يستند أردوغان إلى دعامة حلف الأطلسي لاتخاذ إجراءات ترجح كفة الجيش السوري الحر في مواجهاته العسكرية في المناطق الحدودية، مما يوحي بأن المواجهات العسكرية مرشحة للاستمرار، إن لم يكن للتصعيد.

وفي هذا السياق، يدرج الكثير من المراقبين السياسيين في لبنان حادثة إطلاق طائرة الاستطلاع الإيرانية فوق إسرائيل - من حيث التوقيت على الأقل - في خانة التهديد الإيراني بأن تسخين جبهة الشمال السوري سوف يقابله تسخين لجبهة الجنوب السوري مع إسرائيل.

وبينما يعترف هؤلاء المراقبون بأن تسخين جبهة الجنوب مع إسرائيل يحظى بتعاطف واسع من الشارع اللبناني - والعربي استطرادا - (بالنظر للطابع القومي والمصيري لأي مواجهة مع العدو الإسرائيلي)، يشكك معظمهم في احتمال نجاح مناورة إيران في قلب أولويات المرحلة في الشرق الأوسط بعد أن اتخذت الثورة السورية أبعادا دولية واضحة المعالم.

ومع أن هؤلاء المراقبين يعتبرون أن إيران هي الرابح الوحيد من إطلاق طائرة الاستطلاع في أجواء إسرائيل - عبر التذكير بـ«دورها» في أي تسوية سورية - فهم لا يخفون قلقهم من التداعيات اللبنانية الداخلية لعودة حزب الله إلى التفرد في اتخاذ قرارات تمس بما تم التعارف على تسميته «استراتيجية الدفاع» اللبنانية. ورغم أنهم لم يصلوا، بعد، إلى حد نعي طاولة الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس ميشال سليمان، فهم يجزمون بأن الرسالة التي توخى حزب الله توجيهها إلى رئيس الدولة اللبنانية هي أن معطيات الحوار حول «الاستراتيجية الدفاعية» تبدلت تبدلا جذريا بعد إطلاق طائرة الاستطلاع فوق إسرائيل.. بمعنى أن تحريك «جبهة الجنوب» بات يرتبط ارتباطا وثيقا بتطورات «جبهة الشمال».