نهب آثار سوريا لتمويل الثورة

TT

الفرق بين ما عاشه العراق وما يراد لسوريا لا يبدو أنه كبير. بدءا من الدمار الهائل والشامل الذي تصفق لهوله الشركات العالمية الكبرى وهي تسن أسنانها للاستثمار وإعادة البناء، لسنوات كثيرة مقبلة، مرورا بالتضحية بعشرات آلاف الأرواح، دون أن يرف جفن مسؤول أممي، وصولا إلى تدمير الأمل بالمستقبل وسرقة الماضي وبيعه بالمزادات العلنية. ليست المأساة في أن الغرب شارك في المجزرتين معا، مرة بشكل مباشر، وأخرى بالتحكم عن بعد، لكن الأدهى أننا قررنا في الحالتين أن نكون العدة والعتاد.

تحميل النظام السوري وحده المسؤولية اليوم يشبه القول إن صدام حسين جنى على العراق وأهله. عبارة لا قيمة لها ولا معنى أمام عذابات الأمهات ويتم الأطفال وإفقار شعب وتدمير بلد بأكمله. حين يعمم السلاح في أي مكان، يدخل الجميع في لعبة اللامنطق العبثية المريعة. اسألوا اللبنانيين يخبروكم، من يتحمل المسؤوليات حين يصبح القتل تسلية الميليشيات، على أنواعها، في أوقات الفراغ. اسألوهم يخبروكم إن كان ثمة مسلح شريف حقا ومسلح قذر، لحظة تتحول البلاد كلها، تحت وطأة الخراب، إلى مستنقع «نتن» لا مكان فيه لقيم أو أخلاق.

من لا يصدق أن إخراج السوريين من الثورة السلمية وإدخالهم حربا مسلحة، مد في عمر النظام وأساء للمعارضة، عليه أن يرى كيف أن التقارير الدولية باتت توزع الاتهامات على الطرفين معا، مع مراعاة فارق مستوى التسليح، بعد أن كان بشار الأسد في عيون الرأي العام، ديكتاتورا قميئا وقاتلا لشعبه الأعزل. ليس الموضوع أن النظام أجبر المعارضة على التسلح لشدة ما بطش ونحر، بل على الأصح، إنه نجح في توريطها وتمييعها وإلهائها بلعبة السلاح التي سبق ومارس ما يشبهها في لبنان.

الفوضى الهائلة، والفراغ المتزايد الذي يتركه انحسار سلطة الدولة، لمعارضة مشرذمة مقطعة الأوصال، يجعل الفرق يتلاشى للأسف، بين ممارسات شبيحة النظام، ومسلحي المعارضة. التقارير الدولية والصحافية تؤكد أن الطرفين معا متورطان في نهب وسرقة الآثار السورية، والمواقع التي تعتبر من بين الأهم في العالم على الإطلاق.

وإذا كان جنود الجيش النظامي وشبيحته يغضون الطرف أو يشاركون في النهب مقابل بعض الخدمات أو الحصول على المال، فإن المعارضة متورطة هي الأخرى، في السرقة، وفي التنقيب غير المشروع، وفي بيع آثار سوريا مقابل الحصول على قطع من السلاح، ومن أجل تمويل الثورة بحسب «التايمز»، نقلا عن شهود عيان ومشاركين في التهريب إلى دول مجاورة.

وتبعا لتقارير دولية فإن عشرة آلاف موقع أثري موجودة في سوريا اليوم كثير منها مهدد بالنهب، في ظل الانفلات القائم. أضف إلى ذلك أن هذه المواقع لا تشكل سوى 30 في المائة مما تخبئه الأرض في باطنها. لهذا يعمد الطامعون من الطرفين إلى التنقيب والتفتيش والتهريب.

الأخبار تتحدث عن سرقة متحف «تدمر» وقطع من المدينة التاريخية، كما طاولت السرقة متحفي «حماه» و«أفاميا»، هذا عدا إحراق أسواق حلب التي لا تعوض. وقد دمرت - بحسب ما يتوارد من أخبار - أجزاء من قلاع ومواقع أثرية جراء المعارك والقصف المتبادل مثل قلعة «شيزر» على نهر العاصي، وقلعة الحصن، وقلعة المضيق وايبلا في إدلب. ويرجح أن تكون علميات نهب واسعة تتم في منطقة الجزيرة السورية بسبب وجود حفريات واسعة متروكة اليوم دون أي حماية تذكر.

صحيح أن حجم الكارثة لا يمكن تحديده إلا بعد هدوء المعارك وانكشاف الوضع على حقيقته، لكن عالمة الآثار البريطانية إيما كونليف، بما لها من مصادر ومعلومات، ترى أن «كارثة الآثار العراقية عام 2003 تتكرر حاليا في سوريا» خاصة أن «الطلب كبير في الأسواق العالمية لذا فإن السرقة ستزداد».

هذا النهب وهذا الدمار من بيروت إلى بغداد وطرابلس، يقترب من دمشق بعد أن أحرق ما حولها.

النظام السوري زائل لا محالة كما زالت من قبله أنظمة، ودالت دول، لكن سوريا باقية، ودمشق ليست ملكا لمعارضة أو نظام، هي ملك أهلها وفي أسواقها وعلى أسوار مساجدها وقصورها وبيوتها وحماماتها حفر تاريخ كل عربي ومسلم أيضا. إذا كان إنقاذ تراث سوريا واجب إنساني كما تقول اليونسكو، فإن التفريط في دمشق وتركها نهبا للنار والخراب، تحت أي ذريعة، جريمة عربية وإسلامية لا تغتفر.