نصر الله وكتاب ترانيم الأمس

TT

هل نصر الله عميل صهيوني؟ من الطبيعي أن تكون الإجابة: معاذ الله.

بيد أن هذا كان الاتهام الذي وجهه إليه نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال جمال الدين أبرومندي.

كان الجنرال يعلق على التقرير الخاص بتسلل طائرة من دون طيار مجهولة إلى المجال الجوي الإسرائيلي. سارع نصر الله الذي يستغل كل مناسبة للثناء على سادته في طهران، إلى استوديو قناته التلفزيونية للزعم بأن الطائرة من دون طيار صنعت في إيران وأرسلت إلى لبنان بوصف ذلك جزءا من استراتيجية لمواصلة الضغط على إسرائيل.

لم يذكر الجنرال اسم نصر الله صراحة، لكن تصريحاته تضمنت تلميحات صريحة بشأن الشخص المقصود.

وقال أبرومندي: «من ينسبون حادثة الطائرة من دون طيار إلى إيران ينفذون الحرب النفسية الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية».

ونظرا لأنه لم يقم أحد، ولا حتى إسرائيل، بربط الطائرة من دون طيار بإيران، فقد كان من الواضح أن الجنرال يشير إلى نصر الله.

تأتي حادثة الطائرة بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انتخابات مبكرة، ويُخشى أن تشكل «إيران التي تمتلك أسلحة نووية» الموضوع الرئيسي لحملته فيها.

القلق بشأن أمن إسرائيل يعد أيضا مثار تفكير شريحة من الناخبين اليهود في الولايات المتحدة. هذا القلق يمكن أن يغير الأصوات في الانتخابات الرئاسية في بعض الولايات المتأرجحة، خاصة فلوريدا وأوهايو، وهو مما يهدد آمال أوباما في إعادة انتخابه مرة أخرى.

بيد أن طهران تعتبر أوباما أهون الضررين؛ ومن ثم فهي عازمة على أن لا تقوم بما قد يفسد إعادة انتخابه، فقد قدم أوباما للجمهورية الإسلامية أربع سنوات إضافية مكنتها من متابعة أهدافها النووية.. فعندما دخل أوباما البيت الأبيض، كانت إيران تملك ما يقرب من 400 جهاز طرد مركزي تخصب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المائة، والآن تمتلك إيران 12.000 جهاز تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة. وهناك إجماع في طهران على أنه إذا فاز أوباما بفترة رئاسية أخرى، فسوف تمتلك إيران الوقت الكافي لتطوير دورة نووية كاملة وفرضها أمرا واقعا.

على الجانب الآخر، لا ترغب طهران في فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. ولتحقيق هذين الهدفين تحاول إيران تهدئة الأوضاع في عدد من القضايا.

فقد وافقت على إجراء جولة جديدة من المحادثات بشأن القضية النووية ومساعدة أوباما في الزعم بأن هدفه في التوصل إلى تسوية عبر التفاوض لا يزال أمرا ممكنا.

وقالت كاثرين آشتون، الممثلة الأعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي يوم الأحد الماضي، بصفتها المسؤولة عن المفاوضات مع إيران بشأن القضية النووية: «تحدونا آمال كبيرة في تحقيق نتائج سريعة».

في الوقت ذاته، خففت طهران من تصريحاتها الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد إلى أدنى حد ممكن. وقد رفض محمود أحمدي نجاد ضمنيا تباهي الأسد بأنه سيرغم المعارضة على الاستسلام. وقال نجاد: «حل المشكلة السورية هو بعدم السماح لأي شخص بفرض وجهة نظره على الشعب.. ينبغي أن يعبر الشعب السوري عن إرادته عبر انتخابات حرة نزيهة».

وجاءت الإشارة الأبرز على نوايا طهران في تهدئة بعض القضايا لمساعدة أوباما ومنع نتنياهو من الفوز في الانتخابات، ضمن كلمة المرشد الأعلى علي خامنئي في بوجنورد، شمال شرقي إيران، عندما قال: «ما يقوله الصهاينة لا يستحق منا الرد»، وهو يأمل من ورائه بشكل واضح إلى تهدئة حديث إسرائيل عن هجمات استباقية.

لكن الآمال بالتأثير على الانتخابات الأميركية والإسرائيلية ليست السبب الوحيد لتغيير إيران كتيب ترانيمها.

فقد أثار انخفاض العملة الإيرانية، الريال، الذي دفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية في الآونة الأخيرة، قلق أحمدي نجاد وخامنئي. وعلى الرغم من الأسباب العديدة للأزمة الاقتصادية، ومن بينها سوء الإدارة والإصلاحات التي تم تقديمها على عجل، فإنه ما من شك في أن الحديث عن الحرب كان عاملا وراء مسارعة الأفراد لشراء الدولار.

قبل الهبوط الأخير للريال، كانت التصريحات العدائية الصفة الغالبة في طهران، حيث يظهر رجال الجيش أو الملالي بعمائمهم البيضاء أو السوداء يعدون بحروب وشيكة ستمحو إسرائيل من على الخريطة، و«تجثو أميركا على ركبتيها، ونهزم العالم»، للمرشد الأعلى.

ويزعم الجنرال حسين سلامي أن الحرس الثوري الإيراني قادر على تدمير الآلة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وقال: «نحن لا ترهبنا قدراتهم العسكرية، هذا بالنسبة لنا مجرد حديد صدئ».

وهو ما اضطر الجنرال حسن فيروز آبادي، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، للظهور على شاشة التلفزيون للمطالبة بالتوقف عن «كل ذلك الحديث عن الحرب».

يعلم المؤرخون أن كثيرا من الحروب تبدأ بكلام غير منضبط، عادة ما يكون مدفوعا بتفاؤل مفرط.. وعندما يبدو النصر في متناول اليد بتكلفة بسيطة، تعطى الإشارة للحرب.

ومن ثم، فإن في إشارته إلى «الحرب النفسية الصهيونية ضد الجمهورية الإسلامية»، كان الجنرال أبرومندي يردد ما قاله الجنرال فيروز آبادي.

أثنى، أستاذ الإفراط في التفاؤل نصر الله على الطائرة من دون طيارة الشاردة كما لو كانت معجزة علمية وتكنولوجية وخمينية. ربما لم يعلم أنه هناك أكثر من 40 دولة تنتج أو تستخدم الطائرات من دون طيار، بحسب معهد الدراسات الاستراتيجية. والحقيقة أن نصر الله كان بإمكانه شراء نسخة أبسط وأرخص من الطائرة من دون طيار من متجر «هاملي» للألعاب في لندن وتسييرها عبر ريموت كونترول على مزارع شبعا.

ربما لم يكن حسن نصر الله مدركا لتغير لغة الخطاب في طهران، ولا بد أن محركيه في طهران نسوا أن يخبروه أنهم الآن يرغبون في تهدئة الأوضاع لأن الحديث عن الحرب يمكن أن يضر بأوباما ويساعد نتنياهو.. وبعبارة أخرى، كانت الدمية تغني من كتيب أغاني الأمس.