ما يجري في سوريا، بلاد الشام، وصمة عار على جبين الإنسانية، وفضيحة كبرى للضمير الإنساني، خصوصا الضمير الغربي الذي يقول إنه يرتكز على قيمة الحرية والكرامة الإنسانية، ومكافحة الهمجية.
ما يجري في الشام من استباحة فاجرة لكل المتفق عليه بين بني البشر، حتى في الحروب التقليدية، هي واقعة ليس لها من دون الله كاشفة.
واقعة لها ما بعدها، سيسقط بشار الأسد وعصابته المجرمة الآن أو غدا، ولكن سيدفع المجتمع الدولي ثمن هذا الخذلان والجبن وضياع الرؤية والسمسرة السياسية مع قيصر روسيا بوتين، ووزيره الثلجي لافروف.
أوباما وفريقه السياسي «العظيم» ركضوا وهرولوا في الشرق الأوسط بالمكان الغلط (تونس ومصر) وخنسوا وجبنوا في المكان الصحيح (سوريا). حتى وصلت الأمور إلى المحذور الذي كانوا يخشونه وهو اندلاع حرب أهلية، وتحولت سوريا إلى مكان جذاب للمقاتلين الأصوليين، وهو الحال الذي لم يكن ملحوظا في بداية الثورة السورية، وكان الشعار الجامع: «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد». لكن بسبب ضعف وهزال إدارة أوباما، تفاقم الوضع، وتمادى الروس والإيرانيون في لعبة الابتزاز.
هذا كله، يجعل المرء لا يفكر بطريقة واقعية مع هؤلاء القوم، بل يستذكر جانبا من لحظات الذاكرة الجماعية حول الشام، هذه البقعة التي كانت دوما مسرح الصراع الدولي في الشرق الأوسط.
هناك شاعر وعالم وأديب عربي عاش قبل نحو ألف عام، وهو من أرفع الشعراء جودة، قال في لحظة عصيبة مرت بالشام، كهذه اللحظات، مع فارق أن الغازي وقتها كان أجنبيا وهم الصليبيون، والآن هو نظام مافيوي طائفي يدعي أنه حامي العروبة وقلبها النابض، وهذا أدعى للشعور بالمرارة.
مما قاله أبو المظفر الأبيوردي (توفي 507 هجري) لما استولى الفرنجة الصليبيون على بيت المقدس (سنة 492 هجري)، وفعلوا الأفاعيل وأجرموا في الناس، وكان أمراء المسلمين في حالة تفرق واختلاف:
مزجنا دماء بالدموع السواجم
فلم يبق منا عرضة للمراحم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه
إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة
وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها
على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم
تجرون ذيل الخفض فعْل المسالم
من دماء قد أبيحت ومن دمى
تواري حياء حسنها بالمعاصم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة
تظل لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغبْ عن غمارها
ليسلم يقرعْ بعدها سن نادم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
ويغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذْ لم يذودوا حمية
عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
دعوناكم والحرب ترنو ملحة
إلينا بألحاظ النسور القشاعم
تراقب فينا غارة عربية
تطيل عليها الروم عض الأباهم
فإنْ أنتم لم تغضبوا بعد هذه
رمينا إلى أعدائنا بالجرائم
هذه رسالة الشاعر الأبيوردي عن مأساة الشام، منذ ألف عام، خذلان ودماء وحروب، ولكن تظل شمس الشام هي المشرقة في النهاية، ويذهب الغزاة، غزاة الداخل والخارج، حيث ألقت رحلها أم قشعم، وأم موسكو وواشنطن وطهران والضاحية الجنوبية والمنطقة الخضراء في بغداد.