الأزمة السورية بدأت في تدميرنا

TT

كلما طال أمد الأزمة السورية، زادت أضرارها على المنطقة.

قامت أنقرة باستخدام كل ما في وسعها في هذه الأزمة، حيث غيرت من أدواتها وتصدرت الجهود الرامية لحل الأزمة، ولكنها لم تتمكن رغم كل ذلك من إسقاط الأسد. وإذا ألقينا نظرة متمعنة على الأوضاع الحالية، فسوف يتضح مدى صعوبة الإطاحة بالأسد. وإلى الآن، تعتبر الأعباء المترتبة على الأزمة السورية أمرا يمكن التعاطي معه، ولكن هذه الأعباء قد زادت بصورة مطردة وأصبحت أكثر خطورة في الأسابيع القليلة الماضية.

وقبل الدخول في التفاصيل، أود أن أعرض عليكم هذه النقاط المهمة: زادت أعداد اللاجئين السوريين إلى 100 ألف لاجئ. ومنذ عام مضى، كان ينظر إلى هذا الرقم على أنه الحد الأقصى لأعداد اللاجئين، وبعد أن بلغت أعدادهم 100 ألف بالفعل، يقال: إن المنطقة العازلة سوف تدخل حيز التنفيذ بالفعل، ولكن هذه المنطقة العازلة تبدو مستعصية على التطبيق في الوقت الحالي. قامت تركيا بإنفاق نحو 400 مليون ليرة تركية حتى الآن، وهو الرقم المرشح للزيادة بصورة مستمرة. لم يقم الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة بإرسال أي مساعدات للاجئين، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم قبول تركيا بشروط الرقابة وتوزيع المعونات الخاصة بهذه المؤسسات، حيث تقول تركيا لهم: «أعطونا الأموال ولا تتدخلوا بأي شكل، وسوف نتولى نحن مهمة التوزيع». تقوم هذه المؤسسات بممارسات مختلفة، ولكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ما بهذا الشأن، فسوف تصل التكلفة التي تتكبدها تركيا إلى مليارات الدولارات. يسود انطباع خاطئ في وسائل الإعلام العالمية بأن تركيا على وشك الدخول في حرب مع سوريا. يتزايد هذا الانطباع بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، وهو نابع في الحقيقة من الموقف الذي تتبناه تركيا، ومن التصريحات القوية التي تصدرها بشكل متكرر، ومن إسقاط الطائرات جراء عمليات القصف. وبغض النظر عن مدى خطأ هذا التصور، فقد بدأ بالفعل في ترك آثاره السلبية على المؤسسات المالية العالمية والمستثمرين. ففي كل يوم تقريبا، هناك بعض الأسئلة التي يتم طرحها بصورة متكررة: «ماذا يحدث عندكم؟ هل ستقومون حقا بالدخول في حرب؟».

بدأت مؤشرات الشك والقلق في الظهور في أوساط المستثمرين، وإذا استمرت الأمور على نفس هذا المنوال، فسوف تتزايد المخاطر المترتبة على ذلك بصورة أكبر بكثير. ورغم أن هذه المؤشرات لم تعد واضحة في الوقت الحالي، فإن أجراس الإنذار سوف تبدأ في الدق في مجال السياحة في حال استمرار المناخ الحالي الذي تخيم عليه أجواء الحرب.

تعد رغبة تركيا في حل الأزمة السورية بصورة سريعة أمرا يمكن تفهمه، ولكن في حال استمرار هذا الإيقاع، وإذا لم يجر تعديل المواقف المؤيدة للصراع، فمن الواضح أن تكلفة الأزمة السورية ستصبح مرتفعة للغاية بالنسبة لنا.

نحن جميعا خبراء: تعد تركيا مجتمعا غير معقول حقا، إننا نمتلك عقيدة خاصة في كافة الموضوعات تقريبا. لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الأمر في أي دولة أخرى. فبشكل عام، ينصت الناس في كافة بلدان العالم إلى الخبراء الحقيقيين فقط، وليس أي صوت يسمعونه فحسب، حيث يصغي الناس فقط للأشخاص الذين يلمون بالموضوع بكافة تفاصيله، ثم يأخذون قرارهم بأنفسهم.

العكس تماما هو ما يحدث هنا، حيث إن الاستماع لكلام بعض الصحافيين والعسكريين المتقاعدين والأكاديميين على شاشات القنوات التلفزيونية يجعل دمي يغلي. ففيما يتعلق بكيفية مواجهة الأعمال الإرهابية التي يشنها «حزب العمال الكردستاني» المحظور، يمكنك التحول بين قنوات التلفزيون للاستماع إلى نصائح الخبراء وهم يقولون: «يجب أن نقوم بالبحث عن بعض العناصر الخاصة وإرسالهم إلى الجبال. يستطيع هؤلاء الرجال البقاء على قيد الحياة في هذه الجبال من خلال تناول أي شيء مثل الضفادع. لن يتمكن أحد من رؤية هؤلاء الرجال أثناء فترات النهار، ثم يبدأون في التحرك في الليل. إنهم قناصة وسوف يتمكنون من إطلاق النار على أعين عناصر (حزب العمال الكردستاني)، وهذه هي الطريقة التي يمكن بها حل قضية (حزب العمال الكردستاني)».

يبدو الأمر كما لو أن هيئة الأركان العامة ووزارة الداخلية، الذين يعملون على حل هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، لا يعلمون أي شيء، وأن هؤلاء القادة المتقاعدين والصحافيين هم وحدهم من يعرفون كل شيء.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية