ماذا تعني التكاليف المادية الباهظة للرعاية الصحية؟

TT

مع التقدم المذهل لبعض دول العالم في مجال الإحصائيات الطبية، قد تتلاشى لغة الملايين لتحل محلها المليارات في حساب التكلفة المادية للرعاية الصحية للأمراض ولتداعيات الأمراض في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

وكانت جمعية القلب الأميركية (American Heart Association) قد أفادت ضمن مجلة «الدورة الدموية» (journal Circulation) الصادرة عنها، بأن التكلفة المادية المباشرة وغير المباشرة لأمراض القلب والسكتة الدماغية تتجاوز 503 مليارات دولار سنويا في الولايات المتحدة.

وضمن عدد سبتمبر (أيلول) الماضي لـ«مجلة الألم» (Journal of Pain) الصادرة عن المجمع الأميركي للألم (American Pain Society)، ورد أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة التي ينفقها الشعب الأميركي على الألم المزمن (Chronic Pain) تتجاوز سنويا 635 مليار دولار.

وضمن عدد الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي نشرت مجلة «أرشيفات طب النفسية العام» (Archives of General Psychiatry)، دراسة لباحثين في كلية طب هارفارد حول تأثيرات الأرق وقلة النوم (insomnia) على أداء العاملين، وأفادت بأن التكلفة المادية لحوادث مكان العمل والأخطاء فيه (workplace accidents and errors) تتجاوز 31 مليار دولار سنويا. وكانت مجلة «النوم» (Journal Sleep) الصادرة عن المجمع الأميركي لطب النوم قد نشرت في سبتمبر 2011 دراسة أخرى للباحثين من جامعة هارفارد حول الأرق، وأفادت بأن التأثيرات السلبية للأرق على الأداء الوظيفي (job performance) وإنتاجية العاملين في أماكن العمل بالولايات المتحدة تكلف الاقتصاد القومي (nation’s economy) أكثر من 63 مليار دولار سنويا.

و«سقوط كبار السن» مثال آخر، إذ تفيد «المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC)، بأن الكلفة المادية لسقوط كبار السن (older adult falls) تتجاوز 30 مليار دولار سنويا في عام 2010. وتفيد «CDC» بأن الكلفة المادية الوطنية الكلية (total national expenditures) لإصابات الأمراض الروماتزمية (arthritis and other rheumatic conditions AORC) هي 353 مليار دولار في عام 2005.

وفي تقريرها الصادر في 25 أغسطس (آب) 2010 أفادت بأن تكلفة الرعاية الصحية وتكلفة «فقد الإنتاجية» (productivity losses) الناتجة عن إصابات حوادث عربات السير تتجاوز 99 مليار دولار. وأفادت أيضا بأن الكلفة المادية للتبعات الصحية المباشرة وغير المباشرة لـ«الإفراط في شرب الكحول» (Excessive Drinking) تجاوزت عام 2006 مبلغ 223 مليار دولار في الولايات المتحدة، وأن كلفة معالجة مرضى السكري في الولايات المتحدة لعام 2007 تجاوزت 175 مليار دولار. كما أفادت بأن التكلفة المادية المباشرة وغير المباشرة للربو تجاوزت عام 2007 مبلغ 56 مليار دولار.

ووفق ما أفادت به «CDC» في فبراير (شباط) الماضي نشرت مجلة «International Journal Child Abuse and Neglect» أن التكلفة المادية للإساءة للأطفال (child maltreatment)، وهو ما يشمل الإيذاء البدني (physical abuse) والجنسي (sexual abuse) والنفسي (psychological abuse) والإهمال (neglect)، تتجاوز 124 مليار دولار في العام الواحد.

ولا مجال لمزيد من الاستطراد في عرض المزيد من تقارير التكلفة المادية للرعاية الصحية المباشرة وغير المباشرة للأمراض، ودعونا من الأسئلة على شاكلة: لماذا لا تتوفر مثل هذه الإحصائيات في مناطق أخرى من العالم؟ ولنسأل هذا السؤال: كيف نتعامل مع مثل نتائج هذه الإحصائيات؟ وهناك في العموم طريقان للاستفادة منها، طريق الاستفادة المباشرة للإجابة على أسئلة مباشرة تتعلق بتلك الأمراض، وطريقة الاستفادة غير المباشرة للإجابة على أسئلة غير مباشرة عن تلك الأمراض.

ولأن الإحصائيات الطبية هي إنتاج طبي للأوساط الطبية، مثل عملية إنتاج علاج المرضى، التي تقوم بها وتبذل الجهود المضنية لإخراجها، فإن وجود إحصائيات طبية تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه أنظمة تقديم الرعاية الصحية، ذلك أننا حينما نراجع تلك التقارير الطويلة التي تصدر في الولايات المتحدة عن كل مرض من الأمراض، يتبين لنا أن ثمة وسائل دقيقة ترصد وتحسب لنا مثلا عدد زيارات مرضى التهابات الأذن الخارجية للعيادات وغيرها من التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالأدوية التي تم وصفها لهم ومتابعة الأطباء لما حل بهم بعد تناول الأدوية، وغيرها كثير من مؤشرات الأداء. ومن دون توفر هذه الإحصائيات الدقيقة يظل من الصعب تحديد توجيه بوصلة قائمة الأولويات في الاهتمام الطبي نحو أي الأمراض أو أي فئات المرضى.

الجانب الآخر الذي تقوله لنا تلك الإحصائيات أن تكلفة الرعاية الصحية هي تكلفة باهظة، والتكلفة الباهظة تتطلب العمل على «ضبط المصروفات»، وهو ما يتطلب أن تنال كل الأركان الثلاثة لتقديم الرعاية الصحية العناية اللازمة كي تكون فاعلة وبكلفة مادية محسوبة. ومعلوم أن أركان تقديم الرعاية الصحية هي: أولا توفير وجود منشآت يسهل الوصول إليها ذات تجهيزات طبية لتقديم الرعاية الصحية، وثانيا توفير الكوادر البشرية لتشغليها وخدمة المرضى فيها ومن خلالها، وثالثا وضع نظام عملي للتشغيل يحقق الاستفادة الأمثل من المنشأة الصحية ومن كوادرها الطبية بغية تقديم خدمة المرضى بما يضمن جودة تقديم الرعاية الصحية لهم وضمان سلامتهم.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]