بضاعة فاسدة!

TT

خبر سريع تم تداوله عبر وكالات الأنباء يفيد بأن قوات حرس الحدود السعودية ألقت القبض على مركب بحري فيه 12 رجلا إيرانيا بالقرب من الشواطئ الشرقية من السعودية في عمق مياهها الإقليمية، وترددت الأخبار المتلاحقة بعد هذا الخبر بأن الرجال المحتجزين على الأرجح ينتمون للحرس الثوري الإيراني، وإن كان لم يصدر تأكيد رسمي سعودي بهذا الأمر حتى هذه اللحظة. إلا أن هذا التطور لا يبدو مفاجئا للكثيرين في ظل تطور التدخل الإيراني في شؤون معظم الدول العربية بشكل فج وسافر جدا بات من الصعب إنكاره أو حتى إحسان الظن فيه.

فلم تعد هناك أي دولة عربية لم تخترق أو يصبها لهيب نيران التدخل الإيراني في صميم شؤونها الداخلية، والأمر ليس مقصورا فقط على دول الخليج كالكويت والبحرين والسعودية والإمارات العربية التي احتلت إيران جزرا تابعة لها، فالشكوى تصل من المغرب والسودان ومصر والصومال وتونس والجزائر والأردن واليمن وطبعا سوريا والعراق ولبنان وفلسطين.

لم تعد إيران قادرة على إخفاء نواياها «الاستراتيجية» في التدخل في الدول العربية بشكل بات، أو بشكل استخباراتي، لتحريك خلايا نائمة أو استحداث خلايا جديدة، وقد صرح بهذا الأمر رجال دين وسياسة في مناسبات مختلفة، وبات واضحا لمن توجه إيران كل مجهوداتها وإنتاجها الحربي وعتاد سلاحها، فهو حتما ليس لمواجهة إسرائيل ولا لتحرير فلسطين، فاليوم هي تعيد مشهد صدام حسين الذي أراد أن يحرر فلسطين عن طريق احتلال الكويت وغيرها من دول الخليج.

ويبدو أن إيران تريد الشيء ذاته، فهي تروج للناس والعامة أنها رمز المقاومة والممانعة، وتدعم هدف تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وهي وظفت هذه المسألة جيدا عبر السنوات السابقة، ولكن كان دائما الهدف الأهم لها هو «السيطرة» على الخليج بأي شكل، حتى كان لها ما حصل من تبعات الاحتلال الأميركي للعراق وتحويل كفة المسار السياسي داخل العراق لصالح المجاميع التابعة لإيران بشكل كامل، وهي مسألة بعد إتمامها جعلت شهية إيران مفتوحة تماما لمزيد من الإنجازات السياسية في منطقة الخليج العربي، فبدأت تعبث بشؤون الكويت والبحرين والإمارات بأشكال مختلفة، ويضاف لذلك طبعا التدخل في شؤون السعودية واليمن بأشكال مختلفة.

وزادت من حدة الحضور الإيراني على المشهد الخليجي مشاهد الثورة السورية الهائلة والتأييد الإيراني السافر لنظام بشار الأسد المجرم بلا خجل ولا اعتذار، بل إن الدعم لم يكن فقط بالطرق السياسية، بل أصبح أيضا، كما بات معروفا، دعما بالعتاد والسلاح والمال بلا حدود، وذلك على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الجمهورية في إيران نتاج العقوبات الاقتصادية العالمية عليها.

وقد أدركت إيران أن حليفها الأهم نظام بشار الأسد يتهاوى، وبات في حالة حشرجة سياسية وفي الرمق الأخير، ويترنح بشدة، ولم يعد من الممكن إنقاذه، فحولت اهتمامها إلى مضايقة وإحراج وإزعاج وإرهاق دول الخليج بمشاكل دموية تدعمها وتذكيها وتكبرها وترعاها وتثيرها، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه سياسة تغيير الموضوع وتحويل الأنظار، فاليوم انطفأت عالميا فكرة ضرب إيران من قبل إسرائيل وأميركا كنوع من الردع عن برنامجها النووي، وهي مسألة لم يكن الكثيرون مقتنعين بحدوثها أصلا. وتحولت أنظار إيران إلى جيرانها ليصبحوا هم الأول في خانة «الأعداء» وليس إسرائيل ولا «الشيطان الأكبر» أميركا!

المشهد الإيراني مستمر، ويكشف عن حقيقة توجهاته، وأن فكرة المقاومة التي كان يروج لها نظامها، هو ومن معه، هي واجهة مغرية لبضاعة فاسدة تم فضحها!

[email protected]