ممثل.. أولا وأخيرا

TT

أشاع المؤرخون والنقاد والذين عرفوه أنه كان ممثلا من الدرجة الثانية ورئيسا من الدرجة الأولى، انتخب مرتين بأكثرية كاسحة. ابنه يقول العكس: رونالد ريغان لم يكن سوى ممثل من الدرجة الأولى، في هوليوود وفي البيت وفي البيت الأبيض.

في «أبي عند المائة» يحاول أن يشرح رون ريغان، لنفسه قبل القراء، كيف أن رجلا عاديا إلى درجة خارقة، استطاع أن يصبح أحد أهم الوجوه السياسية في القرن الماضي، الرجل الذي سيرتبط اسمه بإنهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.

كان ريغان الأب أحجية بشرية معقدة ولم يستطع الابن أن يحل جميع مركباتها. لكن خلاصة تأمله في حياة الرجل الذي أحبه ويسميه «بابا» كلما تحدث عنه، أن ريغان رجل اخترع نفسه، وأمضى عمره المديد يمثل أدواره على شاشة الحياة. حتى مع أولاده كان يمثل دور الأب الغيور، لكن ما إن يغيب أحدهم عن ناظريه حتى ينسى أنه موجود.

«كان سهلا أن تحبه وصعبا أن تعرفه». وحتى زوجته نانسي، التي قيل إنها أكثر من عرفه، قالت ذات يوم إن ثمة حاجزا كان يقف بينه وبين الآخرين بعد حين. على أن رون ريغان يكتب بعطف عن الممثل السابق والرئيس الراحل، بعكس أبناء النجوم ورفاقه في هوليوود. وعندما توفي المغني بينغ كروسبي وضع أحد أبنائه سيرة مليئة بالفضائح والتشهير، مما حدا برفيقه، الممثل الهزلي بوب هوب، إلى القول «لم يعد المرء يأمن أن يموت في هذه الأيام».

يقول الابن إن الرئيس عاش حياته فيلما سينمائيا هو المنتج فيه والمخرج والممثل. وقد صنع لطفولته صورة بعيدة عن الحقيقة، ومنها أن والده كان سكيرا مدمنا، لكنه في الواقع لم يكن كذلك، وإنما رونالد لم يحبه بسبب نزاعه الدائم مع أمه.

عندما كان ريغان رئيسا ذهب إلى بلدة باليبورين في آيرلندا، أرض أجداده. وألقى خطابا تحدث فيه عن آلاف المشاعر التي خامرته وهو يطأ هذه الأرض ويرى «الشارع الضيق الذي منه هاجر أجداده». ولكن عندما ذهب الابن المؤلف للبحث فعلا عن الجذور، تبين له أن الجدود لم يكونوا من باليبورين بل من قرية مؤلفة «من مجموعة من الأكواخ الفقيرة تدعى دوليس» تبعد بضعة أميال عن هناك.

وتقفى رون آثار طفولة والده في ديكسون، إيلينوي، حيث ولد. وهناك بدأت الأحلام بالنجومية في الرياضة والسينما ولكن ليس في السياسة. لم يكن يريد أكثر من أن يصبح لاعب كرة، وقد فرح عندما أعطي له الدور في السينما. أما والده، جاك، فكان بائع أحذية، يعثر أحيانا على عمل، وعندما تشتد الحال الاقتصادية يفقده. في هذه الظروف نشأ الرجل الذي سوف يقرر ذات يوم ألا يصغي إلى مستشاريه، وينفتح على ميخائيل غورباتشوف ويحاوره ويؤدي الحوار إلى تخلي السوفيات عن حلمهم بالتفوق النووي الذي لم يعودوا قادرين على تحمل نفقاته. ولم ير فيه السياسيون سوى «سياسي ساذج». ورأى فيه ابنه ممثلا ناجحا.