«ليس بيننا طنطاوي أو عنان»

TT

عندما أصدر الرئيس محمد مرسي، قرارا يوم الخميس قبل الماضي، بتعيين الدكتور عبد المجيد محمود، النائب العام المصري، سفيرا للقاهرة لدى الفاتيكان، فإن المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، عقد مؤتمرا صحافيا في مقر النادي، ناشد فيه الرئيس أن يراجع قراره، وأن يرجع عنه، ليبقى الرجل في مكانه.

وعندما أراد المستشار الزند أن يدلل للرئيس على ضرورة مراجعة القرار، بل على حتمية هذه المراجعة، فإنه قال موجها كلامه إلى الرئيس: «ليس بيننا طنطاوي أو عنان».

أما الذين ليس بينهم طنطاوي أو عنان، فإنهم القضاة بطبيعة الحال، وأما المقصود من وراء العبارة، فهو أن المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي حكم مصر طوال المرحلة الانتقالية، منذ أن تخلى الرئيس السابق مبارك عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011 إلى أن تولى الرئيس مرسي السلطة رسميا في 30 يونيو (حزيران) 2012، إذا كان قد ذهب إلى بيته، ومعه الفريق سامي عنان، نائب رئيس المجلس العسكري، حين أراد لهما «مرسي» أن ينصرفا، فإن المستشار عبد المجيد محمود، في المقابل، لن يذهب إلى بيته، كما يريد الرئيس، حتى ولو كان هذا البيت هو سفارة مصر لدى الفاتيكان.

ولم تتوقف إيماءات هذه العبارة التي جاءت على لسان المستشار الزند، عند حدود هذا المعنى، ولكنها، فيما يبدو، أرادت أن تبعث برسالة من نوع ما، إلى رئيس الدولة المصرية، وهذه الرسالة هي أن القضاة ليسوا ضعافا على نحو ما كان المشير والفريق ضعيفين في مواجهة الرئيس!

وحقيقة الأمر، أن عبارة «ليس بيننا طنطاوي أو عنان» إذا كانت تنطوي على مثل هذه الإيماءة، وربما إيماءات غيرها، فإنها، أي العبارة، في حاجة إلى وقفة هادئة نرى من خلالها ما إذا كان طنطاوي وعنان، كانا بالفعل، ضعيفين إلى هذه الدرجة، ثم ما إذا كان المستشار عبد المجيد محمود قويا إلى هذا الحد!

نعرف جميعا أن الرئيس مرسي، عندما قرر إعفاء المشير والفريق من منصبيهما، في 12 أغسطس (آب) الماضي، فإنه كان قد أدرك ابتداء، أن الإعلان الدستوري المؤقت القائم في حينه، كان يمنعه من إقالة الرجلين، ولذلك فإنه اتخذ خطوة سابقة فقرر إلغاء الإعلان الدستوري ذاته، وعندها فقط أصبح في إمكانه، نظريا على الأقل، أن يحيلهما إلى التقاعد، بصرف النظر عما قيل في ذلك الوقت، على لسان أساتذة متخصصين في القانون الدستوري، عن أن الرئيس لم يكن يجوز له إلغاء الإعلان الدستوري الذي جاء هو على أساسه رئيسا.

إذن، كان رئيس الدولة يعرف مسبقا أن هناك عقبة أساسية، أمام رغبته في إقصاء المشير والفريق، وكانت هذه العقبة هي الإعلان الدستوري المؤقت، ومن هنا، كانت مبادرته الاستباقية بإزالة العقبة نهائيا من طريقه.

إزاء وضع كهذا، لم يكن أمام طنطاوي وعنان شيء قانوني أو دستوري يستندان إليه، اللهم إلا إذا كان لهما أن يراهنا على أن ترفض المؤسسة العسكرية إجمالا قرار إحالتهما إلى التقاعد، وهو رهان لم يكن مضمونا، ليس لأن المؤسسة كانت راضية عن القرار كل الرضا، وإنما لأنها مؤسسة عريقة اشتهرت على مدى تاريخها الطويل بالانضباط، والالتزام، واحترام الشرعية، وبما أن الدكتور محمد مرسي رئيس منتخب، وبما أنه بالتالي رئيس شرعي، وبما أن هذا هو قراره، فليس أمامها، والحال كذلك، إلا أن تحترمه، ولا تنقلب عليه.

ويبدو الوضع عند المقارنة بين حالة المشير والفريق، وبين حالة النائب العام، مختلفا إلى حد كبير، لا لشيء إلا لأن قانون السلطة القضائية القائم وقت إصدار قرار تعيين الدكتور عبد المجيد محمود سفيرا، لا يتيح لرئيس الجمهورية إصدار قرار من هذا النوع، إلا إذا وافق النائب العام مسبقا، فإذا لم يوافق طواعية، كان له أن يبقى في منصبه، فلا يغادره إلا في حالتين: أن يعجز عن ممارسة مهام عمله، أو أن تجري محاكمته تأديبيا.

فما معنى ذلك؟!.. معناه أنه بمثل ما كانت هناك عقبة تحول بين الرئيس وبين طنطاوي وعنان، وهي الإعلان الدستوري، فإن عقبة مماثلة كانت تحول بينه وبين النائب العام، وكان لا بد من إزالتها، مقدما، إذا أراد الرئيس أن ينقل شاغل الموقع من مكانه، وهذه العقبة هي قانون السلطة القضائية كما قلنا، وهو قانون كان بحاجة إلى تعديل لا إلغاء طبعا، لتمرير رغبة الرئيس.

ويبقى أمامنا سؤال بلا إجابة هو: لماذا كان الرئيس واعيا، في حالة المشير والفريق، بما يجب أن يفعله، إذا أراد أن يتصرف معهما بالشكل الذي فعل؟!.. ولماذا غاب وعيه عما يجب فعله، في الحالة الثانية؟!

في الحالتين لا بد أنه عاد إلى مستشاريه يطلب النصيحة، فهو دارس هندسة، ولا علاقة له، من حيث نوع تعليمه، بالقانون، ومن الطبيعي، في حالة كهذه، أن يعود إلى أهل الشأن يسألهم، ومن المفترض أن يكونوا أمناء معه، وأن يبذلوا له النصيحة لوجه الله، ثم لوجه الوطن.. غير أن ما حدث، أن الذين استشارهم الرئيس، لم يخلصوا له النية، ولم يكونوا أمناء معه، على نحو ما يجب أن تكون الأمانة، بل إنهم خدعوه، ووضعوا أمامه معلومات خاطئة، فكان ما كان، عندما اكتشفت الرئاسة بعد صدور القرار أن تنفيذه مستحيل، ما لم يتم تعديل قانون السلطة القضائية، وأن عليها أن تعود عنه، لجأت إلى أساليب أقل ما توصف به أنها أساليب تحايلية، من أجل أن تحفظ هيبتها كرئاسة للجمهورية، وهي تتراجع، وكان من بين هذه الأساليب أن يتقدم أعضاء مجلس القضاء الأعلى، كما قيل، بالتماس إلى الرئيس، يطلبون فيه إبقاء النائب العام في منصبه.

النظرة الموضوعية إلى الحالتين عند المقارنة بينهما، تقول إن طنطاوي وعنان، رغم مؤاخذات كثيرة عليهما، لم يكونا ضعيفين، إلى هذا الحد الذي قد يبدو من عبارة المستشار الزند، عند الوهلة الأولى، فالدستور لم يكن في صفهما، ولا كان في إمكان المؤسسة التي ينتميان إليها أن تتصرف إزاء تقاعدهما بشكل غير منضبط، أو غير ملتزم، ثم تقول المقارنة أيضا، إن النائب العام لم يكن قويا إلى هذه الدرجة التي توحي بها عبارة المستشار الزند كذلك، مع كامل التقدير طبعا للدكتور عبد المجيد محمود، الذي استلهم قوته، بالأساس، من قانون للسلطة القضائية، كان يتكئ عليه، ثم من قضاة احتشدوا خلفه صفا واحدا بفضل عزيمة الزند.. تلك هي الصورة متكاملة لمن أراد أن يتطلع إلى موقف طنطاوي وعنان، ثم موقف النائب العام، في إطار واحد!