البرلمان والأعباء المالية

TT

منح البرلمان العراقي كل نائب مبلغا يقدر بألف دولار لشراء الصحف والقرطاسية شهريا!! بينما لم يمنح هذا البرلمان طالب المدرسة في العراق ثمن قرطاسيته أو شيئا منها، وهذا يدفعنا إلى أن نتساءل كم يستهلك البرلماني من ميزانية دولته؟

كلما تحدثنا عن العراق الجديد، نرى ثمة أسئلة يطرحها المواطن العراقي البسيط، أهمها رواتب نواب البرلمان والوزراء والرئاسات، وهي رواتب بالقياس للمستوى المعاشي ومعدلاته في العراق عالية جدا، بل ستكون عبئا على الدولة العراقية في السنوات المقبلة لدرجة ربما ستعجز وزارة المالية عن الإيفاء بها في المستقبل، خاصة أن اقتصاد العراق أحادي قائم على تصدير النفط بنسبة أكثر من 90 في المائة.

والمواطن العراقي لديه أكثر من سلطة تشريعية يدفع لها رواتب، تبدأ بمجالس النواحي والأقضية والمحافظات، وتنتهي بالبرلمان، وربما في القريب مجلس الاتحاد الذي ينتظر تشريع قانونه الغائب منذ عام 2005.

وبما أن خدمة المواطن هي خدمة عامة تطوعية تدفع العديد من الرجال والنساء للترشح لها رافعين شعارات براقة وبرامج تتقطر منها قيم الوفاء والحب والإخلاص لهذا الشعب والوطن، ونجدهم في الحملات الانتخابية يجوبون شوارعنا ومدننا متوسلين أن نمنحهم شرف أن يخدمونا، واعدين إيانا بغد أفضل ومستقبل مشرق وخدمات تجري كالأنهار.. نقول بما أن هذا كله عمل تطوعي وليس إجباريا، فلماذا لا يكون مجانيا لوجه الله والشعب! قد يغضب البعض من هذا المقترح ويقول إن هذا «حسد عيشة»، ولكن تخيلوا معي العراق عام 2030، كم سيكون عدد النواب والوزراء المتقاعدين؟ رقم كبير لا أحد يستطيع أن يحدده ويحدد ميزانيته.

لهذا أجد ويجد معي كل الشعب العراقي - ولا أستثني من هذا أحدا - أن تكون هنالك ضوابط مالية لهؤلاء. نحن لا نقول لا تعطوهم رواتب، بل أعطوهم رواتب وفق ضوابط لا تغضب الناس. لماذا لا يعتمد مع النواب في مختلف المجالس - بدءا من النواحي وانتهاء بالبرلمان - سلم رواتب موظفي الدولة النافذ المفعول، علما بأن هؤلاء ليسوا بموظفين بقدر ما أنهم «عقود». قد يستغرب البعض من هذه الصفة، ولمن لا يعرف فإن الانتخابات الديمقراطية، هي تنافس بين أشخاص للحصول على عقد يتم إبرامه بين الفائز وناخبيه ومن يمثلهم لفترة محددة تنتهي بانتهاء الواجب المكلف به، وفي أحسن الأحول ضمن السياقات الوظيفية والإدارية أن يمنح صاحب العقد مكافأة نهاية الخدمة ويعود لممارسة عمله الأساسي ما لم يجدد له مرة ثانية من قبل أصحاب الشأن، وهم «أفراد الشعب».

ولكن نجد أن ما هو موجود حاليا من سياقات وآليات تجعل من الفوز بالانتخابات والحصول على مقعد في البرلمان أو مجالس المحافظات بمثابة «عصا سحرية» امتلكها الفرد وتحول لشخص آخر ينعم بكل شيء، «كهرباء مستمرة» وحمايات، وراتب ممتاز وتقاعد أكثر مما يتوقعه أي مدير عام يحال على التقاعد عند بلوغه السن القانونية، وحصانة تجنبه أشياء عديدة بما فيها خروقات قد يرتكبها بقصد أو من دون قصد.

لهذا، فإن المواطن العراقي يتمنى أن تكون هنالك أعراف برلمانية في العراق، كما هي في بريطانيا والعديد من الدول الديمقراطية، تتمثل في أن يقدم جميع أعضاء البرلمان على الاستقالة فور نهاية ولايتهم – أي قبل الانتخابات العامة - وهذه الاستقالة من الناحية القانونية مكسب للشعب العراقي، لأن هذا الشعب لن يضطر لأن يدفع رواتب تقاعدية مدى الحياة لهؤلاء، هذا العرف نتمنى أن يسود الفكر السياسي العراقي.