الإبراهيمي في دمشق: فكرة نجاح صعب!

TT

أنجز الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي والدولي جولة من مباحثات شملت السعودية وتركيا وإيران والعراق ومصر ولبنان والأردن، واستقر منذ أول من أمس في العاصمة دمشق، ليستكمل فيها البحث في سبل وقف إراقة الدماء المستمرة منذ عشرين شهرا في سوريا، آملا في أنه سوف يحقق خرقا في الصعوبات التي حالت دون تحقيق تقدم في معالجة سياسية للأزمة، مستعينا في ذلك بتأييد ودعم دولي وإقليمي، تم الإعلان عنه في معظم العواصم المعنية بالأزمة على أمل إنجاز وقف لإطلاق النار في عطلة عيد الأضحى.

فكرة الإبراهيمي بتحقيق وقف لإطلاق النار، خطوة أولى في إطار معالجة الأزمة السورية، أسسها الإبراهيمي بعد مشاورات دولية وإقليمية وسورية، وبعد تدقيق بخلاصات المبادرات السابقة التي حاولت معالجة الأزمة، ولا سيما مبادرة المبعوث السابق كوفي أنان. وتصور الإبراهيمي لمعالجة الأزمة، إذا نجح وقف إطلاق النار الجزئي، يقوم على الانطلاق نحو «هدنة حقيقية لوقف إطلاق النار، ولعملية سياسية تساعد السوريين على حل مشكلاتهم، وإعادة بناء سوريا الجديدة، التي يتطلع إليها شعبها»، كما قال الإبراهيمي.

الصورة كما تبدو سهلة وبسيطة، خاصة أن السلطات السورية وأطرافا في المعارضة، أيدت وقف إطلاق النار في عطلة عيد الأضحى. لكن الحقيقة تؤكد أن الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا بكثير من الصورة الظاهرة، ذلك أن لدينا إرثا من مساعي وقف النار، يعود إلى فترة كوفي أنان وقبله إلى فترة المبادرة العربية، حيث فشلت الجهود من أجل وقف إطلاق النار في الحالتين والحجة المعلنة من جانب السلطات السورية، أن الفريق الآخر لا يلتزم بوقف إطلاق النار، والأهم من ذلك الإرث، أن لدى السلطات السورية محددا رئيسيا للتفاوض مع معارضيها، وهو القضاء على الجماعات المسلحة والإرهابيين قبل البدء في أي مفاوضات تعالج الأزمة كما أكد أكثر من مسؤول سوري، وبالتأكيد فإن حَمَلة السلاح في الخندق المقابل للسلطات السورية هم من «الجماعات المسلحة والإرهابيين».

ولا شك أن الوضع على ما هو عليه من صعوبات عملية وسياسية في موضوع وقف إطلاق النار، ليس بعيدا عن رؤية الأخضر الإبراهيمي وفريقه، كما أنه ليس ببعيد عن ملاحظة الأطراف المعنيين والمهتمين بالوضع السوري، لكن تلك الصعوبات لم تحُل دون طرح الفكرة، وحصولها على دعم متعدد الأطراف والمستويات، والسبب في ذلك يتصل بجملة معطيات؛ لعل الأول والأبرز فيها، أن هناك رغبة إقليمية ودولية من جانب كل طرف بإعطاء الإبراهيمي وجهوده فرصة في معالجة الأزمة في وقت يسعى فيه كل طرف لمراكمة معطيات أخرى، تدعم وتساند رؤيته للأزمة في سوريا وآفاق حلها، خاصة أنه ليس لدى أي من الأطراف المنخرطة بالأزمة أو المعنية بها مشروع جديد ومختلف لمعالجتها.

وثاني المعطيات في خلفيات طرح الفكرة، هو أنها تشكل أرضية لقياس تحولات القوة لدى مختلف أطراف الأزمة والمعنيين بها، خاصة بعد كل هذا الوقت من عمر الأزمة، والبالغ عشرين شهرا، وما نجم عنها من نتائج سياسية وأمنية وخسائر بشرية ومادية فادحة مرشحة للتصاعد، متزامنة مع احتمالات خطرها في الامتداد إلى المحيط الإقليمي الذي ظهرت بعض مؤشراته على الأقل في كل من لبنان وتركيا.

وثالث المعطيات، تبرزه حقيقة أن الفترة الأخيرة من تطورات الأزمة السورية شهدت تصعيدا عسكريا كبيرا من جانب السلطة والقوى المسلحة للمعارضة، وكان من مؤشرات هذا التصعيد توسيع حجم العمليات العسكرية لتشمل مناطق واسعة من البلاد، إضافة إلى تطور نوعي في تلك العمليات خاصة لجهة قيام السلطات السورية بزج الطيران بصورة واسعة في المعارك، واستخدام أسلحة نوعية شملت البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، كما لاحظت هيئات حقوقية دولية، إضافة إلى أن مجريات الأزمة، شهدت تطورا كميا على صعيد ارتفاع الخسائر البشرية والمادية للصراع المسلح، وهذه التطورات جميعها، صارت تتطلب وتفرض جهودا في التهدئة إذا أمكن.

وإذا كانت الظروف المحيطة، عززت طرح فكرة وقف إطلاق النار في سوريا بمناسبة عيد الأضحى، فإن موانع نجاح الفكرة، تبدو قائمة في الكفة الثانية من ميزان الأزمة، وهي توازن الأولى، وقد تزيد عنها، مما يعني أن احتمال نجاح فكرة الإبراهيمي يبدو صعبا، إن لم نقل أنه مستحيل، ما لم تحصل معجزة، جوهرها تحول في موقف السلطات السورية من الأزمة وآفاق حلها، وهذه أصعب من أن تحصل في ظل ما هو معلوم وشائع عن الموقف السوري، مما يجعل نجاح فكرة الإبراهيمي في وقف حقيقي لإطلاق النار يقرب المستحيل.