صائد الظلمات

TT

لبنان بلد صغير. الناس تعرف بعضها مباشرة أو بألفة الوجوه. وسام الحسن كان الوجه الباسم الذي يرتب اللقاءات مع الرئيس رفيق الحريري. ثم توقف عن الظهور ليبحث في الظلمات عن قاتلي رئيسه. وقبل أن تطاله نحو 60 كيلوغراما من البارود الذي قتل رئيسه، كان قد حال دون وقوع عدد كبير من عمليات القتل. وقد تحدث النائب سامي الجميل باسم هؤلاء قائلا: «أنا واحد من الذين حماهم وسام الحسن من القتل».

لم يكن وسام الحسن ضابطا عاديا. كان تضلعه في تطور التكنولوجيا ظاهرة في الأمن الداخلي، على الرغم من صغر حجم الشعبة التي يرأسها. ولذلك تعرض لهجوم شبه يومي من سياسيي «8 آذار» الذين كانوا يطالبون باستمرار بإلغاء الشعبة، والتهمة تفوقها في كشف البؤر وشبكات التعامل مع إسرائيل.

أعلنت إيران أن إسرائيل وراء اغتيال وسام الحسن. وعلق مستمع على برنامج «كلام الناس»: لماذا لا تستهدف إسرائيل سوى رجال «14 آذار» واحدا بعد الآخر ولا تمس أحدا من «رجال الممانعة»؟ لقد ألبس لبنان ثوب الحداد مرة أخرى، بقتل ضابط لامع آخر، في وضح النهار ووقاحة القصد. وغياب وسام الحسن، لا يزرع الحزن فقط، بل الخوف أيضا؛ توصل القاتل إلى الحارس الأكثر براعة في الأمن اللبناني. وكالعادة لم يهمه من يقتل معه ومن يصاب ومدى ما يلحق بالبسطاء من دمار وعذاب.

بين الأماكن المدمرة محل حلاقة لا يزيد على 15 مترا مربعا أذهب إليه منذ عودتنا إلى لبنان. وبسببه أعرف أهالي الحي بالوجوه. وجميعها وجوه بسيطة لا علاقة لها إلا ببطء الحياة. وقد رأيت بعض هذه الوجوه المسكينة بين الجرحى ولم أر وجه صديقي الحلاق بعد.

مثل جبران تويني، لم يبق لوسام الحسن وجه يدفن به. لقد تعرفوا على موته من سوار ساعته. ومثله اغتيل غداة وصوله من باريس. ومثله قتل معه مرافقه. ولكن بعد مقتل وسام الحسن من سوف يكون قادرا على اكتشاف القاتل هذه المرة؟ وإذا كشف من سوف تكون له الجرأة على إعلانه؟

في بلد مهزوز الأمن ومضطرب المسؤوليات ومتعدد الولاءات، كان وسام الحسن متعدد المواهب وذا ولاء واحد هو لبلده. وفي هذا المعنى هو أكبر خسارة أمنية للبنان، إضافة إلى ما يشكله من خسارة سياسية.