نتنياهو: فلسطين وكالة من غير بواب!

TT

هذا العنوان هو قول متداول في مصر، يقال أكثر من مليون مرة في الساعة الواحدة، مثلا حين يتجرأ طفل ويختلس حبة مانجو من عربة أو حانوت، وحين يسطو متنفذ على أملاك عامة، بدءا من الاعتداء على متر أرض من الأراضي الحكومية، وليس انتهاء عند اقتباس عشرات المليارات من حقوق الآخرين.

هِيّ وكالة من غير بواب؟!

عندنا في فلسطين لا يستخدم هذا القول كثيرا، لأن هنالك شعورا جمعيا بأن الإسرائيليين يتعاملون مع البلد كله كوكالة من غير بواب، وأن طريقة عمل الطبقة السياسية فيها كرست ذلك، ولكل جمهورية من جمهوريات فلسطين معادلة.

جمهورية الضفة غير المستقلة وغير المستقرة، يتعامل الإسرائيليون معها من خلال استباحة أرضها، وحقوق أهلها، حتى إن نتنياهو بصدد دعوة كل إسرائيلي للاستيطان في أي مكان في الضفة، وذلك بعد أن تم تصنيف الاستيطان فنيا بين مستوطنات عشوائية يجري تفصيل قانون لها، ومستوطنات سياسية يمكن التفاوض عليها بغية إبقائها، ومستوطنات يراد لها أن تتجمع كي تتكرس كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومستوطنات يحظر مجرد الحديث عنها أي تلك المقامة على أراضي القدس وبيت لحم، ومستوطنات لا يصح التخلي عنها لمكانتها الاقتصادية، وأخرى لأنها واقعة على حوض المياه الرئيسي، وأخرى لأنها ورد ذكرها في التوراة، وأخرى وعد باراك بإقامتها على رؤوس الجبال لحماية مطار بن غوريون!! وهكذا.

وحين أعلن نتنياهو أنه بصدد إقرار قانون يجيز الاستيطان في أي مكان في الضفة الغربية، قال خصومه الانتخابيون إنه يقوم بمجرد حملة انتخابية للحصول على أصوات المستوطنين الذين يعدون بمئات الألوف في الضفة والقدس، وكان يمكن تصديق أن الأمر مجرد دعاية انتخابية لو أن الحكومة الحالية في إسرائيل تتحدث عن الاستيطان أكثر مما تفعل. أما معارضوه فهم في الأساس مع الاستيطان، إلا أنهم يحذرون المبالغة في تبنيه وإعلانه، ليس هذا فحسب، فقد استفاق الفلسطينيون ذات صباح على واقعتين لهما دلالات مباشرة؛ الأولى حين زُرعت عند الحاجز المسمى بحاجز بيت أيل والذي لا يعبره إلا حملة بطاقات الـVIP، شجرة زيتون رومية للإيحاء بأن الاحتلال باق إلى الأبد، وقد يجدون للزيتون شجرة عائلة تظهر أن أحد اليهود الأوائل هو من زرعها في هذا المكان.

وعلى مقربة من الشجرة استبدلت يافطة مكتب التنسيق والارتباط التي تجسد بقايا أوسلو بيافطة كُتب عليها «الإدارة المدنية لمنطقة يهودا والسامرة»، أي الإدارة التي تجسد الاحتلال، وتعامله المباشر مع الفلسطينيين كسلطة عليا تقدم لهم الخدمات، قافزة من فوق سطح السلطة التي استحدثت وزارة لهذا الغرض.

المأساة.. أن كثيرين من أقطاب السلطة لا يعرفون بذلك، والذين يعرفون يتظاهرون بأنهم لا يعرفون.

هذا في جمهورية الضفة، أما جمهورية غزة فالتعامل معها وصل إلى حد وضع جدول يبين كم سعرا حراريا يحتاج المواطن الغزي كي يبقى على قيد الحياة، فتتولى إسرائيل السماح بدخول هذه السعرات على هيئة شاحنات محدودة الحمولة والعدد، تعبر حاجز كارني أو كرم أبو سالم، وإذا ما أحب الغزيون الاستزادة فأمامهم الأنفاق، فما يدخل عبرها هو الترف الزائد عن اللزوم الذي يؤدي إلى استفحال البدانة!

نعم إنها وكالة من غير بواب، يدخل إليها الإسرائيليون ويبقون أو يخرجون دون اعتراض، وكل هذا مؤجل البت فيه فلسطينيا إلى ما بعد الذهاب إلى الأمم المتحدة والعودة منها.

وحين يسقط من التداول شرط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات، ويحل محله اعتراف العالم بدولة غير عضو في الأمم المتحدة، سوف يجلد الإسرائيليون الفلسطينيين بسوط صنعوه بأيديهم. سيضاعفون الاستيطان، ولن يلومهم أحد، ثم يعاقبون الفلسطينيين على مجرد الذهاب للأمم المتحدة.

هذا هو الوضع الآن، وإلى أن نصل إلى اليوم الأخير من الحملات الانتخابية في إسرائيل سنسمع أكثر مما نسمع ونرى الآن، وليس لنا في هذا الأمر إلا الله الذي هو للجميع، والأمم المتحدة التي تحولت إلى حائط بكاء لا يشفع ولا ينفع.