لبنان يغلي..

TT

خبر اغتيال المسؤول الأمني اللبناني البارز وسام الحسن يتخطى كونه مجرد «حادث» جديد مثل غيره يتعرض له لبنان بشكل متكرر ودوري لا ينقطع أو يتوقف، فالرجل المغدور كان وراء الكشف عن سلسلة مهمة جدا من المخططات الأساسية المهمة لنقل تبعات أحداث الثورة السورية على الأراضي اللبنانية، وذلك كخطوة انتقامية من النظام الأسدي بدمشق لإهانته لهم، وفضحه بالأسماء والتواريخ والتفاصيل لكل من كان على علم واطلاع بمجريات مخطط التفجير الكبير، الذي كان سيقوم بتنفيذه الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة، والذي باعترافاته الموثقة كشف كل الأطراف السورية التنفيذية من رئاسة الجمهورية ومستشارين فيها حتى المخابرات العامة هناك أيضا.

هبت قوى الحكومة الحاكمة في لبنان والتابعة لسوريا فكرا وآيديولوجيا، بقيادة فريق حزب الله وميشال عون، لتوضح أن إسرائيل والقوى الصهيونية والإمبريالية وراء الجريمة النكراء هذه، وطبعا هي نفس الديباجة المستخدمة من كل أنصار النظام الأسدي في دمشق في شرحهم للحوادث التي من هذا النوع، والغريب أن هناك سؤالا بديهيا جدا لا بد أن يطرح نفسه، وهو لماذا لا تطال الأيادي الإسرائيلية الصهيونية الإمبريالية سوى الشخصيات المناهضة والمعارضة للنظام الأسدي في دمشق؟ صدفة؟ لا أظن أبدا!

المشهد السوريالي المؤلم لجنازة وسام الحسن والحراك الشعبي الهائل للمشاركة في هذا الحدث الحزين أعاد للأذهان الصورة الدامعة لجنازة راحل لبنان الأخير، رفيق الحريري، الذي غدر به هو الآخر بحادث جلل يحمل نفس الملامح والبصمات لمرتكبي حادث اغتيال وسام الحسن. وكل أصابع الاتهام مجددا تشير باتجاه القابع في قصر الشعب بدمشق وحلفائه في بيروت. ولم يكن هناك مشهد أحط وأحقر من صيحات الابتهاج وإطلاق الرصاص احتفالا وتوزيع الحلوى في مناطق حزب الله، للتعبير عن «الفرح» بالانفجار، وكذلك أيضا حينما قامت كل المحطات التلفزيونية ببث الجنازة وتفاصيلها، إلا محطة «المنار» التابعة لحزب الله، اختارت أن تعرض فيلما وثائقيا قديما عن الحرب الأهلية الإندونيسية!

لبنان عاد لمرحلة الغليان الكبير، والطوائف أدركت أنها بشكل أو بآخر مستهدفة من التطور الأخير؛ فهناك من تثبت في خانة الجاني وآخر في خانة المجني عليه. إننا أمام تطور فعلي للأحداث وسحب تدريجي للشارع اللبناني بأسره جبرا وعنوة إلى قلب أحداث الثورة السورية، ودفع ثمن دعم الثوار ومعارضة النظام المجرم في دمشق. النظام ينفذ وعده وينفذ تهديده، فهو واضح جدا في ذلك، فقد أكد مرارا أنه سيحرق المنطقة وسينقل أحداث ما يحدث في سوريا إلى محيطه، فقام بما قام به من تأجيج الجبهة الكردية مع تركيا، وها هو اليوم يفجر قلب بيروت، ويغتال أحد الشرفاء المستقلين في جهاز أمني وحكومي مسيس بأكمله لصالح سوريا ونظامها المخابراتي الإجرامي.

لبنان ممزق ولكن من الواضح أن هناك فريقا اختار أن يكون أسيرا للأبد لعصابة الإجرام، وفريقا آخر اختار الحرية والكرامة، وعلى اللبنانيين اختيار رجال الحق الشرفاء على حساب رجال باعوا أنفسهم وضمائرهم للغير، حتى يكونوا هم وبلادهم لعبة وأداة. لبنان يغلي والأعظم المقبل في الطريق.

[email protected]