المجتمعون حول المائدة المحرمة

TT

«أنا مع إقامة دولة إسلامية في سوريا ولكني أرفض الاستعجال كما فعلت (القاعدة) بإعلان قيام دولة إسلامية بمجرد تحرير معبر باب الهوى الحدودي. الواجب التأني، فإن تجارب الاستعجال بإعلان الدولة الإسلامية نتيجة للاستيلاء على منطقة أو مدينة لم تلق نجاحا، وخير شاهد ما حصل بالعراق والصومال، فهل نتعظ من هذه الدروس أم نستمر بالتعجل وتأتي النتائج عكسية؟».

هذا التصريح لم يصدر عن أيمن الظواهري، أو أحد العناصر الجهادية المسلحة في العراق أو ليبيا أو الصومال أو اليمن، ولم يكن ضمن تقرير سري مسرب من «ويكيليكس» أو من وثائق سوريا المسربة لقناة «العربية الحدث» التي عرفت بـ«سيريا ليكس»، بل هو كلام معلن على الملأ من نائب سابق في البرلمان الكويتي. نعم الكويت، البلد الصغير الذي يعاني من السمنة المفرطة في مشاكله السياسية.

هل علينا أخذ هذا الحديث بجدية أم أنه مدعاة للسخرية؟ هل هناك حقا فرصة لإقامة دولة إسلامية في سوريا على أنقاض نظام الأسد؟

في واقع الحال، إقامة خلافة إسلامية في سوريا أمر مستبعد لعدة عوامل، أهمها الجيرة مع إسرائيل التي لن تسمح بأن يكون للتنظيمات الجهادية، «القاعدة» وبناتها، مكان في سوريا الجديدة. كما أن شخصيات المعارضة السورية في الخارج تحظى باحترام وتأييد واسع من دول عربية مؤثرة تعيش حالة حرب فعلية مع التنظيمات المسلحة، والجيش الحر صاحب المواجهة الحقيقية مع جيش بشار الأسد يدير معاركه بمشورة وقيادة هذه المعارضة من منطلق وطني لا طائفي.

وأمامنا تجربة إقامة دولة العراق الإسلامية في عام 2006 التي فشلت فشلا ذريعا رغم أن العراق كان بالهشاشة التي تسمح بإقامة أي كيان سياسي على مناطق تمردت على السلطة المركزية، مدفوعة بحالة انعدام الأمن التي عاشتها الطائفة السنية ولجوئها للتنظيمات السنية المتطرفة للاحتماء من بطش الميليشاوية الشيعية. مع هذا عجزت الجهادية السنية عن إقامة خلافة إسلامية بمعنى الدولة القديم أو الحديث مع سيطرتها المسلحة على مناطق شاسعة، خاصة غرب العراق. إقامة دولة إسلامية من منظور تنظيمي مسلح هو تجربة مشابهة لطالبان أفغانستان، تفتقر الحالة السورية لأسباب نشوئها، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو إقامة بؤر مسلحة مثلما هي في اليمن أو ليبيا.

بشار الأسد قرأ الوضع العراقي وأسقطه على الوضع في سوريا، من حيث الفائدة الكبيرة المتحصل عليها من إذكاء نار الفتنة الطائفية بالتعاون مع حليفته إيران حينما كانت سوريا بوابة لعبور عناصر تنظيم القاعدة إلى العراق غربا، وإيران بوابة شرقية للمسلحين الشيعة، حتى تآكل العراق: دولة ومجتمعا واقتصادا وحالة أمنية. النظامان السوري والإيراني وضعا العراق بين صفحي كماشة، وأحكما الضغط عليه حتى تفتت، والآن يعاد تشكيله على الطراز المالكي.

بشار الأسد سعيد بتصريح النائب الكويتي، لأنه يؤكد أن تعويله على الطائفية لإبطاء سقوط نظامه، أو في أسوأ الأحوال تقسيم سوريا، هو خطة مضمونة النتائج، واستفزاز الشارع العربي للتدخل من خلال ارتكاب مشاهد قتل مروعة تحمسه للتبرع المالي العشوائي أو شراء أو حمل السلاح، مما يزيد من تعقيد المشكلة، لتصبح الثورة ليست ثنائية الأطراف بين شعب سوري ثائر ونظام ديكتاتوري، بل ذات أطراف متعددة لها مصالح متضاربة، لتكون سوريا عراقا آخر يرعب الأميركان والأوروبيين الموجوعين حتى الآن من حمل تركة عراقية ثقيلة.

العد التنازلي لحياة النظام السوري يتسارع، وتوحيد رؤية المعارضة السورية بشخوصها السياسيين والعسكريين على الأرض أمسى هو الحماية الحقيقية لسوريا الجديدة بعد سقوط النظام، والواقع أن الأميركيين لم ينجحوا في توحيد، أو على الأقل توفيق، الأطراف المتنازعة في العراق، ولكن دول الخليج نجحت في لبنان واليمن. ولأن استقرار سوريا مرتبط بالأمن الإقليمي بلا استثناء أي دولة، فالأولى في المرحلة القادمة أن تتوحد مواقف الدول المساندة للثورة السورية حتى تستطيع أن تكون ضامنا لمعارضة متوافقة.

الطائفية مائدة محرمة، لكنها دائرية، يجتمع حولها بشار الأسد، ومسلحون جهاديون يحاولون فرض تأثيرهم على الواقع السوري، إضافة إلى سياسيين ومثقفين من دول عربية أخذتهم الحماسة ووقعوا تحت تأثير خديعة نظام الأسد حينما استهدف المناطق السنية، فحملوا أنفسهم للدخول في حرب يعتقدون أنها ضد النظام الإيراني الشيعي والنظام السوري العلوي، رغم أن العلويين هم أكبر ضحايا هذه الحرب لأنهم يواجهون عدوين؛ بشار الأسد العلوي الذي جعلهم أهدافا مشروعة، والمتطرفين السنة.

وسواء كان المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مرسالا أمينا أم منحازا كسلفه كوفي أنان الذي ادعى صداقة غير صادقة مع الطرفين، وتسبب في تأزيم الوضع، فإن دعوته بالالتزام بهدنة خلال عيد الأضحى المبارك ينتابها الكثير من التعاطي البارد مع قضية ساخنة، فقد توالت على السوريين أعياد قاتمة لم يمضوها مع أحبائهم، وكل الأيام أصبحت عندهم سواء، ما لم يحل عليهم فرج حقيقي.

[email protected]