بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا.. مجالات التعاون

TT

بعد الجزء الأول من المقالة التي نشرت الأسبوع الماضي بشأن التعاون بين الدول، ولا سيما التعاون بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بهدف تطوير الفرص الكثيرة المتاحة في أفريقيا، رأيت أن نتحدث اليوم عن التعاون بين بريطانيا وأبوظبي في مناطق أخرى.

بدأ الأسبوع الجاري بحدث مثير للاهتمام عقد في العاصمة البريطانية لندن، ألا وهو منتدى أبوظبي للاستثمار، وكنت سعيدا وأنا استمع إلى الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، ورئيس دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي ناصر أحمد السويدي، وتحدث كل منهما عن التعاون بين بريطانيا ومؤسسات أبوظبي والعمل سويا في كوريا والعراق. وهناك الكثير من الفرص لتعاون مماثل في قارة أفريقيا.

وفي السوق العالمية الحالية، لا تزال الشكوك التي تعوق النمو موجودة على نطاق واسع، ولكن يمكن تصنيفها في ثلاث فئات: ما إذا كانت أحدث السياسات في أوروبا ستساعد في إنقاذ اليورو، وما إذا كان المشرعون بإمكانهم توجيه الاقتصاد الأميركي بعيدا عن «المنحدر المالي» الذي يلوح في الأفق مطلع عام 2013، وما إذا كان تعامل الصين مع التباطؤ الاقتصادي سوف ينجح أم لا. ويرى كبير الاقتصاديين بوحدة الاستخبارات الاقتصادية روبين بيو أنه من المرجح أن يكون هناك نتائج إيجابية على الثلاث جبهات.

وهناك الكثير من الفرص في القارة الأفريقية، حيث تنمو اقتصاديات دول جنوب الصحراء الكبرى بمعدل جيد يصل إلى 5.4%، وفقا للبيانات الصادرة عن قسم الأبحاث التابع لصندوق النقد الدولي في شهر سبتمبر (أيلول). وصرح بنك التنمية الأفريقي بأن الاستثمارات العامة والخاصة متساوية تقريبا، رغم أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يشكل الجزء الأكبر من الاستثمار الخاص. وهناك الكثير من المجالات الأخرى التي ستحقق عائدا جيدا لو تم تصميمها وتشغيلها بصورة مناسبة.

ومن بين القطاعات التي تتمتع بإمكانيات هائلة هو قطاع الموانئ، حيث لا يوجد سوى عدد قليل للغاية من الموانئ القادرة على تداول سفن تحمل أكثر من 5.000 وحدة مكافئة، في حين تقترب حمولة السفن الحالية من 10.000 وحدة مكافئة. وفي الحقيقة، يتعين على الدول الأفريقية أن تعمل على تطوير بنية تحتية عالمية للموانئ حتى تكون قادرة على مواكبة النمو المستقبلي في الطلب.

وتنتشر الموانئ في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ولكن عددا قليلا منها يعمل وفق المعايير الدولية، أما الغالبية فتعاني من نقص في الإمكانيات وتعمل بمستويات منخفضة من الإنتاجية، علاوة على أن عددا قليلا للغاية منها قادر على تداول الجيل الحالي من السفن، وغير مجهز بصفة عامة للتعامل مع التغييرات الكبيرة في أنماط التجارة والشحن التي تحدث الآن. وما يزيد حالة الزخم المطلوبة لتحديث تلك الموانئ هو الوجود المتزايد لخطوط الشحن العالمية ومشغلي المحطات الدولية في الموانئ الأفريقية.

ويقدم المهندسون البريطانيون خدمات التصميم المبتكر وإدارة المشاريع، ووضع حلول اقتصادية لتصميم المشاريع الهندسية المدنية والبحرية. ويمكن لكل من بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي تشغيل وإدارة الموانئ بشكل رائع، كما ستستفيد أفريقيا من مزيج رائع من هذه المهارات المجانية.

وثمة قطاع آخر وهو قطاع توليد الكهرباء، حيث لا يزيد إجمالي طاقة توليد الكهرباء في أفريقيا عن توليد الكهرباء في دولة مثل إسبانيا، كما يتم إهدار نحو 17 مليار دولار على أوجه القصور في البنية التحتية لذلك القطاع. وهناك بعض الدول الصغيرة التي لا تستطيع توليد الكهرباء التي تحتاجها، ولذا ستمثل عمليات نقل الكهرباء فرصا جيدة للاستثمار.

وهناك حاجة لحافظة استثمارية متوازنة لتوليد الطاقة. ومن المثير للاهتمام أن نسمع الأمير تركي الفيصل آل سعود، وهو مؤسس مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وهو يقول خلال الندوة الاقتصادية العالمية في البرازيل إنه يأمل أن تعتمد السعودية على الطاقة المنخفضة الكربون كليا، مؤكدا أن السعودية تواصل مساعيها لتعزيز استثماراتها في مجالات الطاقة المتجددة والطاقة النووية والبدائل الأخرى للوقود الأحفوري وأن المملكة تستطيع استخدام النفط لإنتاج منتجات أخرى مثل البلاستيك والبوليمرات. ويمكن لبريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي، من خلال العمل معا في القارة السمراء، تطوير الكثير من المشروعات الجذابة واكتساب خبرات قيمة في مجال الطاقة المتجددة، والاعتماد على مهاراتهم الحالية في توليد الطاقة من النفط والغاز.

والمجال الثالث الذي يمكن الاستثمار فيه بشكل كبير هو مجال التكنولوجيا الخضراء، فهناك فرصة لبناء مشروعات أكثر فعالية من الناحية البيئية. وفي الوقت الراهن، تستخدم المباني 32% من موارد العالم في مجال الإنشاءات، كما تستهلك 40% من استهلاك الطاقة العالمي وتولد نحو 30% من انبعاثات غازات التدفئة العالمية.

وفي أعقاب أسوأ أزمة اقتصادية في العصر الحديث، أصبح هناك ندرة في الموارد وتصاعد في الضغوط على الشركات من أجل الابتكار وإعادة النظر في المبادئ التي تحكمها. ولا بد أن يتم تجهيز قطاع البناء حتى يكون قادرا على التكيف مع التغيرات وأن يكون الناس مسلحين بالمهارة والمعرفة والسلوك اللازمين لتوفير بيئة مستدامة من صنع الإنسان. إن الحديث عن القضايا العالمية مثل التغير المناخي يتطلب عملا عالميا، ووطنيا أيضا، ولذلك يعمل المجلس البريطاني للمباني صديقة البيئة مع نظرائه العالميين من أجل التأثير على السياسة الدولية لضمان أن تفهم الحكومات ورجال الأعمال أهمية المباني الخضراء للحد من الانبعاثات وتقليل الطلب على الطاقة وتوفير الأموال.

وتلعب بريطانيا دورا رائدا في مجال المباني الخضراء، ويمكنها أن تلعب دورا حقيقيا مع منظمات مثل «مصدر» في أبوظبي والأفكار القادمة من المملكة العربية السعودية، في القارة السمراء. ويطلق المجلس البريطاني للمباني صديقة البيئة حملة نحو بيئة نظيفة مستدامة، ويدور برنامجه الأساسي حول قيادة العمل الصناعي إلى الاستدامة وبناء طاقة في ذلك القطاع والتأثير على السياسة الحكومية من أجل إنعاش المشروعات صديقة البيئة. ويعد المجلس البريطاني جزءا من المجلس العالمي للأبنية الخضراء، الذي يضم مجالس الأبنية الخضراء الوطنية من جميع أنحاء العالم، مما يجعله أكبر منظمة دولية قادرة على التأثير على سوق المباني صديقة البيئة.

وأكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه لا يوجد قطاع آخر لديه مثل هذه القدرة على خفض الانبعاثات الكربونية بصورة كبيرة، كما أشار الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيير المناخ إلى أن المباني تعد واحدة من أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة للحد من الانبعاثات. وعندما ننظر إلى الفرص المشتركة في أفريقيا يمكننا أن نكتسب خبرة قيمة يمكن استخدامها أيضا في الأسواق المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي.

وهناك قطاع آخر هو الأنشطة الاستخراجية، حيث تشير منظمة التجارة العالمية إلى أن الصين تأتي في المركز الثاني، من حيث واردات السلع (والمركز الثالث إذا ما تعاملنا مع الاتحاد الأوروبي كوحدة واحدة)، وفي المركز الثالث (مهما كانت نظرتنا للاتحاد الأوروبي) من حيث الخدمات التجارية. وتحتل السلع الصناعية مكانة بارزة: الحديد الخام من أستراليا والنحاس من أفريقيا والنفط من المملكة العربية السعودية وأنغولا وغيرها من الدول. وهناك أيضا فول الصويا من أميركا الجنوبية، والآلات من اليابان وألمانيا.

ولا يزال هناك الكثير من الفرص في أفريقيا التي يمكن أن نعمل عليها معا لتطوير سلاسل التوريد من أجل الاستمرار في إمداد العالم بالمواد الضرورية التي نحتاجها في مجتمع حديث. وتواجه الصناعة الاستخراجية تحديا يتمثل في تلبية الطلب المتزايد واستخدام موارد أقل تأثيرا على البيئة في نفس الوقت، وهو ما يتطلب خبرات علمية وهندسية في الكثير من المستويات.

وتحتوي القارة الأفريقية على أكثر من 15% من إجمالي احتياطي النفط العالمي و40% من الذهب و80% من المعادن البلاتينية. ويتأثر الطلب على الحديد الخام بقطاع صناعة الصلب الصيني الذي يستهلك نحو 50% من إجمالي الإنتاج العالمي من الحديد الخام. وبسبب عدم وجود مثل هذه الكمية من الموارد الطبيعية في البلاد، تعتمد الصين بصورة كلية على الوردات، وحتى الآن لا تملك الصين سوى استثمارات ضئيلة، إن لم تكن معدومة، في المناجم التي تستورد منها.

وثمة فرص حقيقية لدمج معرفتنا وخبرتنا التجارية للعمل معا وتحقيق منافع متبادلة، ولذا يجب أن يكون هناك تعاونا بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا.

* جون ديفي هو أستاذ زائر بجامعة لندن متروبوليتان للأعمال رئيس مجلس إدارة مؤسسة «ألترا كابيتال»