غرامات التأخير والمصارف

TT

عملية التنظيم المالي هي معضلة لا تنتهي أبدا، فإذا تم فرض بعض القيود للحد من فرص المصارف في تحقيق أرباح في منطقة ما، فليس من المستغرب أن ترى هذه المصارف تضاعف من جهودها في منطقة أخرى، حيث تسببت القواعد التنظيمية الخاصة ببطاقات الائتمان، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2010، فضلا عن الجدل القانوني حول رسوم الكروت الممغنطة، في خلق بعض الضغوط التي دفعت هذه المصارف للبحث عن مصادر أخرى للدخل.

تسهم غرامات التأخير والسحب على المكشوف بصورة كبيرة في ميزانيات المصارف في الفترة الحالية، وهو ما يرجع بصورة جزئية إلى أن العملاء لا يولون كثيرا من الاهتمام لهذه الرسوم بقدر اهتمامهم بأسعار الفائدة.

أثبتت الجهود الرامية إلى تنظيم هذه الرسوم أنها أقل فاعلية على المدى الطويل، مقارنة باتجاه العملاء نحو التحول إلى المصارف غير الهادفة للربح. تفرض الاتحادات الائتمانية رسوما ضئيلة للغاية مقارنة برسوم المصارف، فضلا عن أنها تقدم أسعار فائدة أكثر جاذبية من المصارف. وفي التقييمات الخاصة بمستويات رضاء العملاء، حققت هذه الاتحادات مستويات أعلى بكثير، مقارنة بالمصارف الهادفة للربح.

وفي العام الماضي، نشرت وكالة «بلومبرغ» الإخبارية مقالا بعنوان «الرسوم المصرفية هي أفضل صديق للاتحادات الائتمانية»، في ظل استمرار هذا الاتجاه. وكما قال أحد مراسلي مجلة «فوربس»: «شهدت بيئة الرسوم تدهورا كبيرا بالنسبة لعملاء المصارف بكل صورة ممكنة في النصف الأول من عام 2012».

وعلى الرغم من ذلك، فعملاء المصارف ليسوا غافلين تماما عن كافة أنواع الرسوم المصرفية، ففي العام الماضي، أدت الاحتجاجات القوية إلى تخلي «بنك أوف أميركا» عن خططه الرامية لفرض رسوم على استخدام بطاقات السحب الآلي. ولكن الرسوم المفروضة على المدفوعات المتأخرة وعلميات السحب على المكشوف تعد أقل أهمية، حتى بالنسبة للعملاء الأكثر تعليما ووعيا، وذلك لثلاثة أساب:

أولا، تجعل مسألة تنوع الرسوم التي يتم دفعها بموجب ظروف مختلفة من موضوع المقارنة بينها أمرا صعبا للغاية. فقط حاول أن تطلب من المصرف الذي تتعامل معه تقريرا كاملا بكافة الرسوم التي يفرضها على المعاملات، وإن استطعت الحصول على هذه المعلومات، فسوف تدرك أنه ليس من السهل على الإطلاق أن تفهم شيئا. تقوم كثير من المصارف في الوقت الراهن بمغازلة المقترضين ذوي الدخول المنخفضة الذين تزيد احتمالات قيامهم بتسديد الدفعات المتأخرة وتقل احتمالات قيامهم بطرح أسئلة غير مريحة.

ثانيا، تستطيع المصارف التلاعب بتوقيتات الدفع لزيادة الرسوم الجزائية. قامت كثير من المصارف، بما في ذلك «يو إس بنك» و«بنك أوف أميركا» و«جي بي مورغان تشيس»، بدفع ملايين الدولارات لتسوية بعض الاتهامات الخاصة بتلاعب هذه المصارف بشكل غير سليم في معاملات البطاقات الآلية لزيادة إيراداتها في مجال السحب على المكشوف.

ثالثا، لا يرغب الناس في التفكير في احتمال تخلفهم عن السداد، لأنهم إذا قاموا بذلك، فسوف يجعلهم هذا يشعرون بالذنب في قبول العقوبة الخاصة بالتخلف عن السداد. من الصعوبة بمكان على عملاء المصارف أن يعرفوا عدد الأشخاص الآخرين الذين يواجهون نفس مشكلاتهم، حيث إن عدد هؤلاء الأشخاص مرتفع للغاية. ففي دراسة أصدرتها «المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع» في عام 2007، قدرت المؤسسة أن 25 في المائة من المواطنين الأميركيين قد قاموا بدفع رسم واحد على الأقل من رسوم السحب على المكشوف خلال العام الحالي.

تعد أقساط الرهن العقاري المتأخرة أمرا شائعا أيضا، فعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية، وجدت كثيرا من الأسر نفسها عاجزة عن الدفع، ولكنهم حصلوا على بعض المساعدات قليلة الفاعلية نسبيا بخصوص إعادة التفاوض على القروض الخاصة بهم.

يواجه مصرفا «ويلز فارغو» و«جي بي مورغان» بعض الدعاوى الجماعية التي تتهمهما بفرض رسوم مفرطة ومسيئة على الأشخاص المتأخرين في دفع أقساط الرهن العقاري. تهدف غرامات التأخير إلى الحد من السلوكيات السيئة، وتختلف باختلاف تقدير المخاطر. ولكن إحدى الدراسات المتعلقة بغرامات بطاقات الائتمان، التي نشرت في العام الماضي في «مجلة الاستقرار المالي» تحت عنوان «تكلفة التأخر»، قد أشارت إلى أن المصارف التي تمتلك حصصا أكبر من السوق تميل إلى فرض رسوم أعلى.

ربما يستغرق الأمر كثيرا من الوقت لتحويل المصارف عن الأساليب التي اعتادت على اتباعها، وسبب ذلك أن كثيرا من المستهلكين يعتمدون الآن على أنظمة الإيداع المباشر والدفع عبر الإنترنت، التي قد يصعب تغييرها بصورة كبيرة.

يمكن أن تسهم اللوائح المعدلة في مساعدة المستهلكين، على الرغم من أن المصارف لا تزال تبدو قادرة على الالتفاف حول القواعد الجديدة، وأن تطل برأسها مجددا في كثير من الأماكن. ربما يقوم «مكتب الحماية المالية للمستهلك الجديد» بوضع استراتيجيات لمواجهة هذه الألاعيب.

ولكن، لماذا يتم فرض مثل هذه الغرامات في المصارف من الأساس؟ تقوم الاتحادات الائتمانية بفرض غرامات تأخير أيضا، ولكنها لا تهدف من وراء هذه الغرامات إلى تعظيم إيراداتها، حيث يكمن هدفها في خدمة أعضائها من الملاك وليس جني الأرباح. وهذا هو السبب الحقيقي في انخفاض قيمة الغرامات التي تفرضها هذه الاتحادات وإمكانية إعادة التفاوض حول القروض التي تمنحها.

تعتبر الاتحادات الائتمانية صغيرة للغاية، مقارنة بالمصارف العملاقة، حيث مثلت 6 في المائة فقط من إجمالي أصول المؤسسات المالية في عام 2011، ولكنها تنمو بصورة سريعة بفضل السمعة الممتازة التي تتمتع بها في خدمة العملاء.

وفي النهاية، فإذا قمت بدفع غرامات تأخير، فهذا خطؤك أنت، وبخاصة إذا كنت تدفع هذه الغرامات للمصارف بدلا من الاتحادات الائتمانية المحلية.

* نانسي فولبر هي أستاذة اقتصاد في «جامعة ماساتشوستس» في أمهيرست، التي قامت مؤخرا بتحرير والمساهمة في كتاب: «من أجل الحب والمال: توفير الرعاية في الولايات المتحدة الأميركية».