كفى هروبا

TT

مثلها مثل تمنيات الأخضر الإبراهيمي بعد لقاء الأسد بعيد أضحى هادئ إن لم يكن ممكنا أن يكون سعيدا للسوريين، جاءت رسالة المثقفين والسياسيين الفرنسيين الأربعة في صحيفة «لوموند» أمس، والذين قالوا فيها للغرب «كفى هروبا، إن المستقبل الديمقراطي في سوريا يتطلب مساعدة حاسمة»، فهي تمنيات أيضا، لكن حسابات السياسة وصراعات القوى الدولية والإقليمية هي التي تحدد الخطوات على أرض الواقع، وهو ما جعل الوضع يراوح في مكانه.

في الرسالة الموقعة بأسماء برنارد هنري ليفي وبرنادر كوشنير وأندريه غلوكسمان وجاك بيريس يدعون فرنسا وبريطانيا إلى تحييد الطيران الذي يقصف المدن والقرى، وتزويد التيارات الديمقراطية من المعارضة بالأسلحة، وطمأنة العلويين، بمن فيهم الذين في دوائر الحكم، الذين يرغبون في التخلص ممن هم على رأس الدولة، والهدف هو وقف استبداد آل الأسد والتطرف الإسلامي مع تزايد تأثير عدد المتطرفين وسط المعارضة.

هي وصفة أقرب إلى ما حدث في ليبيا، وفيها كثير من التمنيات الطيبة، لكنها تتجاهل أن تدخل الدول الأوروبية، تحت غطاء حلف الناتو عندما كانت بنغازي مهددة بزحف قوات القذافي عليها، لم يكن ممكنا من دون دعم أميركي حاسم من «المقعد الخلفي» بدأ بضربات جوية مؤثرة شلت دفاعات القذافي.

هي أيضا توصيف بعبارات بليغة للواقع الحالي في الأزمة السورية التي سقط فيها نحو 35 ألف قتيل وفقا للإحصاءات المعلنة، فالجميع يهرب من استحقاقات الحل، بما في ذلك أركان النظام السوري أنفسهم الذين لا بد أن يدركوا الآن أنهم لن يكونوا جزءا من الحل السياسي إذا توقف القتال.

لقد استهلكت الأطراف الإقليمية والدولية المبادرات والاقتراحات والمشاريع، ومنها خطة النقاط الست، والمراقبين الدوليين، عندما كان أنان مبعوثا دوليا وإقليميا، ثم جاء الإبراهيمي محاولا فتح ولو نافذة صغيرة باقتراح هدنة العيد لتنتهي كما يبدو إلى لا شيء. والأسد لم يغير استراتيجيته التي اتبعها منذ البداية؛ قبول المبادرات شكليا ثم تنفيسها وإفراغها من مضمونها مع مواصلة القتال بهدف القضاء على المعارضة المسلحة، معتمدا على دعم حلفاء إقليميين ودوليين، وعدم رغبة واشنطن المشغولة بانتخابات الرئاسة، وأزمة اقتصادية، في التورط في مستنقع جديد مثلما حدث لها في العراق.

المشكلة أن المستنقع فتح، ولن يستطيع أحد الهروب منه، والتعامل الدولي، من دون حسم أو ضغط يغير الموازين العسكرية، فاقم الأزمة، وجعل المخاطر أكبر والحل أصعب. فالحديث عن متطرفين وجهاديين في الأزمة السورية لم يكن قائما قبل عدة أشهر، لكن طول النزاع وحصيلة الدم المتزايدة فتحت الباب أمام كل من يريد أن يستغل الحالة لأهدافه، ونفس الشيء ينطبق على النظام السوري الذي كان يراهن على الوقت لسحق انتفاضة سلمية عسكريا، فوجد نفسه في حرب أهلية خسر فيها السيطرة على نحو نصف البلاد، ولا يزال يهرب من حقيقة أنه لم يعد له مستقبل في سوريا المستقبل.

هل تتغير المعادلة بعد انتخابات الرئاسة الأميركية؟ الكل في الانتظار.