درس في ضبط النفس: ما تخبرنا به الصين عن إيران

TT

كيف يمكن لرئيس أميركي أن يروض خصما آيديولوجيا يبدو غير عقلاني وقد يكون على وشك الحصول على أسلحة نووية حتى وهو مستمر في إثارة المتاعب في منطقة حيوية بالنسبة للمصالح الأميركية؟ المرء قد يكون معذورا في القول: هذه الأحجية لا يقصد بها سوى الصعوبات التي يواجهها أوباما مع إيران. فكما ستوضح المناظرة الرئاسية الخاصة بالسياسة الخارجية المقرر إجراؤها الليلة (ليلة أمس)، فإن السؤال عن كيفية اتخاذ رد فعل تجاه إمكانية تصنيع إيران لقنبلة نووية ربما يمثل التحدي الدولي لأميركا.

وقد أعلن أوباما أن امتلاك إيران لأسلحة نووية لا يمكن احتواؤه ويجب منعه، إلا أنه تعمد الغموض في ما يتعلق بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه في استباق تهديد كهذا أو إلى متى سيظل مستعدا للمضي في مسار المفاوضات. أما المرشح الجمهوري ميت رومني فقد سخر من الجهود لحل هذا النزاع بالمفاوضات، زاعما أن المخاوف الإسرائيلية قد تم تجاهلها، مصرا على أنه يجب ألا يترك لدى طهران أي شك في أنه لن يسمح لها أبدا بالحصول على أسلحة نووية.

ورغم وجود نقاش كبير حول ما إذا كان ينبغي لأميركا أن تستبق وصول إيران إلى أسلحة نووية وكيف، فإنه لم يتم توجيه اهتمام يذكر إلى الكيفية التي كان صناع القرار الأميركيون السابقون يتصرفون بها عندما يواجههم احتمال أن ينجح عدو في الحصول على أسلحة نووية. وفي الواقع، فقد واجه الرئيس ليندون جونسون المشكلة نفسها مع الصين، ورغم أن الموقفين غير متطابقين، فإن قرار جونسون الحكيم بالامتناع عن شن هجوم استباقي ضد المنشآت النووية الصينية يحمل دروسا ذات مغزى بالنسبة للمأزق مع إيران.. فعندما تبين عام 1964 أن الصين كانت تجهز لإجراء اختبار نووي، قدم أنصار ومعارضو توجيه ضربة استباقية داخل إدارة الرئيس جونسون حججا شبيهة على نحو مذهل بتلك الحجج التي نسمعها اليوم. وتكشفت أوراق سرية من «مكتبة ليندون بينيس جونسون الرئاسية» عن أن الحجة السائدة بين من كانوا يدعون إلى ضبط النفس، ومعظمهم كانوا في وزارة الخارجية، هي أن عدم الأهمية العسكرية النسبي لامتلاك الصين لقدرة نووية واستبعاد أن يؤدي شن هجوم أميركي إلى توجيه ضربة قاصمة للبرنامج، لم يكن يسوغ المخاطر المرتبطة بخيار كهذا.

وتساءل مسؤولون كبار مثل وزير الدفاع روبرت ماكنمارا ومستشار الأمن القومي ماك جورج باندي عما إذا كان نظام عسكري يعمل على تصدير المد الثوري إلى جميع أنحاء آسيا قد تقوي القنبلة النووية قلبه كي ينفذ رؤيته مهما كان الثمن. وأكد محللو وزارة الخارجية أن الخطاب المولع بالقتال في الصين يتناقض مع حذرها الاستراتيجي، ورددوا قائلين إن هذا قد يغري قادة الصين بزيادة دعم حركات الثورة في المنطقة، مثل تلك الحركة التي كانت تبتلع فيتنام الجنوبية، إلا أنهم سيمتنعون عن الإقدام على أي عمل طائش يهدد بقاءهم هم، وسيتحاشون بأي ثمن الدخول في صدام مباشر مع الترسانة الأميركية المتفوقة عسكريا، مضيفين أنه حتى الثوار كانوا سريعي التأثر بمنطق الردع.

وفي ما يتعلق بحالة الخوف السائدة من أن يؤدي تصنيع الصين لقنبلة نووية إلى إشعال سباق تسلح في المنطقة، وهو زعم آخر شبيه بتلك المزاعم التي يقدمها صقور إيران اليوم، فإن هؤلاء المسؤولين أنفسهم كانوا يقولون إن هذا يمكن منعه عن طريق طمأنة الحلفاء الآسيويين إلى التزام أميركا بضمانات الدفاع التي قدمتها وبزيادة المساعدات التقليدية. وعندما أجرت الصين اختبارا لقنبلتها النووية يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964، أكد البيت الأبيض بقوة من جديد دعمه لحلفائه بالمنطقة. ومن الممكن النظر إلى الخطوات التي اتخذها أوباما العام الماضي من أجل تعزيز الترتيبات الدفاعية الموجودة في منطقة الخليج العربي باعتبارها تسير في اتجاه مشابه.

وكان البعض يدفعون بأن شن هجوم على الصين دون استفزاز لن يؤدي إلا إلى تقوية رواية بكين التي تقول إن أميركا معتدية، وإضعاف الهيبة الأميركية في العالم كله. وهذه الحجة ينبغي أن تجد صدى لها اليوم بين من يخشون أن يؤدي إقدام أميركا على عمل من طرف واحد إلى إثارة مشاعر معادية للأميركيين لدى المسلمين، مما قد يعزز من الآيديولوجية الجهادية.

ويثبت سلوك الصين بعد أن أصبحت قوة نووية حكمة سياسة ضبط النفس لدى جونسون، فأثناء حرب فيتنام، التي كانت أشد الفترات توترا في العلاقات الصينية - الأميركية خلال الـ50 عاما الماضية، استمرت الصين في دعم حليفتها الشيوعية في فيتنام الشمالية.

ولكن كما توقع محللو وزارة الخارجية، فإن الصين لم تفعل ذلك من دون أن تدخل نفسها في عداوات أو التلويح بامتلاك أسلحة نووية، من أجل تجنب مواجهة مع الأميركيين. ومع زيادة الوسائل التي تملكها الصين لإنزال أضرار بأميركا، تضاءل استعدادها لخيار كهذا، وقد لعب ضبط النفس هذا دورا ليس بالصغير في إبقاء حرب فيتنام محدودة.

وقد أدرك جونسون أن توجيه ضربة استباقية ضد الصين سيؤدي غالبا إلى صراع جديد في منطقة تفيض بالفعل بنقاط الغليان، تماما كما يخشى معارضو القيام بعمل عسكري ضد إيران أن يؤدي إلى رد فعل انتقامي في منطقة سريعة الاشتعال. وقد ساعد الجمود النووي بين القوتين على احتواء التوترات، مما ترك الرئيس الذي جاء بعد جونسون في وضعية جيدة تسمح له باتخاذ مبادرات جديدة تجاه الصين.

المخاوف الاستراتيجية والمعوقات السياسية على كلا الجانبين تجعل من المستبعد أن يحدث تقدم وشيك في العلاقات الإيرانية - الأميركية، إلا أن رد فعل جونسون الحذر والحكيم تجاه برنامج الصين النووي يوحي بأنه من الممكن إخفاء العداوات وإرساء أساس لإقامة اتفاق مصالحة في النهاية، وهو يمثل سابقة مبشرة ينبغي أن يفكر فيها صانعو القرار في واشنطن قبل الذهاب لحافة الهاوية مع جمهورية إيرانية يمكن ردعها، في ظل انشغال قادتها بالمحافظة على بقاء نظام ولاية الفقيه داخل البلاد.

* خدمة «واشنطن بوست»