المناظرة الثالثة: تأكيد مزدوج لصالح أوباما

TT

حصلت السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما على تأكيد مزدوج بصورة مدهشة في المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة، التي جرت ليلة الاثنين الماضي؛ حيث لم يكتفِ الرئيس بالتعبير عن آرائه بقوة، وإنما بدا منافسه الجمهوري ميت رومني كأنه يردد مواقف أوباما الرئيسية.

أعرب رومني عن تأييده لاستراتيجية العقوبات التي يتبناها أوباما تجاه إيران، مؤكدا أنه يفضل اللجوء للعمل العسكري باعتباره الحل الأخير للقضية، بينما وصف قرار أوباما بزيادة أعداد القوات الأميركية في أفغانستان بالناجح، ووعد بعدم البقاء هناك بعد عام 2014، حتى وإن كانت أفغانستان تتمزق. عبر رومني عن رفضه للتدخل العسكري في سوريا، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي، وأيد قرار أوباما المفاجئ بالتخلي عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وعلاوة على ذلك، بدا أن هدف رومني الأساسي في منطقة الشرق الأوسط المضطربة هو «مساعدة العالم الإسلامي» وخلق «عالم مسالم».

وحتى تكتمل لعبة تبادل الأدوار، قام أوباما بسرقة كثير من الأمور التي كان المرء يتوقع أن تكون أفضل مميزات رومني، حيث كان أوباما أول من أعرب عن تأييده الحماسي لإسرائيل، واصفا إياها بـ«صديقنا الحقيقي»، بينما وصف أميركا بالقول: «أمة لا غنى عنها». ظهر أوباما في صورة شخص عدواني بلا هوادة يرغب في توصيل رسالة واحدة، مفادها: أنا القائد العام.

ومن وجهة نظري، نجح أوباما في تجميع كثير من النقاط في المناظرة الرئاسية ببراعة كبيرة، لدرجة أنني تساءلت عما إذا كان رومني يحتفظ بنوع مختلف من بطاقات النتائج. لقد تصرف المرشح الجمهوري كشخص أخبره منظمو الاستفتاءات التابعون له أنه يحتل الصدارة، وأنه يجب عليه ألا يجازف بقول أي شيء قد يغضب منه أي شخص.

لقد سمح رومني لأوباما بتوجيه كثير من الضربات إلى جسده بمنتهي الخنوع، كما لو كان واثقا من أنه متقدم على خصمه بفارق كبير من النقاط حتى الآن، وأن كل ما يحتاج للقيام به هو الانتهاء من هذه الـ90 دقيقة والعودة إلى المنزل.

أنا أعتقد أنه يوجد تفسير آخر لسلوك رومني المسالم في هذه المناظرة، ألا وهو أن سلوك أوباما العدواني منذ قرع جرس البداية قد أدى، في حقيقة الأمر، إلى إخافة المرشح الجمهوري، ووضعه في المؤخرة طيلة المناظرة.

ربما تكون هذه المناظرة قد أوضحت لنا عن وضع البلد بقدر ما أوضحت أوضاع المرشحين. إن رفض رومني الثابت للتعبير عن آراء متشددة فيما يتعلق بالتدخل في أي من القضايا الساخنة، بداية من سوريا وإيران وحتى أفغانستان، يدل على أن أميركا باتت حقا تشعر بالضجر من الحروب، لدرجة أن المرشح الذي يروج لنفسه في حملته الانتخابية تحت عنوان «لا اعتذار» يدرك جيدا أنه يجب عليه التخفيف من حدة آرائه. ربما تكون الولايات المتحدة منقسمة تجاه كثير من القضايا، ولكنها موحدة فيما يتعلق بعدم الرغبة في الدخول في حرب أخرى.

وأيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن المناظرة التي جرت مساء أول من أمس قد رسخت حقيقة واحدة حول رئاسة أوباما، ألا وهي الثقة المطلقة التي يتمتع بها هذا الليبرالي والمناهض السابق للحرب في الدور الذي يلعبه كقائد عام، حيث تبنى أوباما سياسة خارجية واضحة ومتماسكة، فضلا عن أنه بدا، في بعض الأوقات (كما حدث في المناقشات الخاصة بالإنفاق الدفاعي)، في صورة الرجل الذي يمتلك رؤية استراتيجية.

وعندما تعرض رومني للضغط، أخبر الناس أن يطالعوا موقعه الإلكتروني، وهو ما لا يعد أسلوبا مقنعا في المناظرات، ما لم يكن مدركا أنه متقدم بفارق كبير للغاية أكثر بكثير مما قد تكلفه مناظرة ليلة الاثنين الماضية.

* خدمة «واشنطن بوست»