أوباما يحرز نقاط تفوق على رومني في المناظرة الثالثة

TT

لعل لحظة «الخيول والحراب» تكون هي العنوان الرئيسي، لكن القصة الأكبر في المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة - التي كانت تدور ظاهريا حول السياسة الخارجية - تقول إن ميت رومني لم يوجه ضربة قوية إلى الرئيس أوباما، بل إنه في أغلب فترات هذه الأمسية لم يحاول حتى أن يفعل ذلك. فقد جاء أوباما وهو جاهز لتسديد اللكمات، بينما جاء رومني وهو جاهز لرد اللكمات أو - طالما أننا نستخدم تشبيها من رياضة الملاكمة - للتحضين على الخصم، حيث اتفق الأخير مع سياسة أوباما تجاه كل من أفغانستان وليبيا وسوريا واستعمال الطائرات من دون طيار في القتال ضد تنظيم القاعدة، كما اتفق معه بدرجة كبيرة في كل شيء باستثناء كيفية النهوض بالاقتصاد الأميركي، الذي لم يكن من المفترض حتى أن يكون موضوعا مطروحا للمناقشة، لكن أحدا على ما يبدو لم يخبر المرشحين بذلك.

وقد قضى الرئيس معظم الأمسية في تعديد أوجه التضارب في مواقف رومني السابقة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مثل رأيه السابق بأن الولايات المتحدة لم يكن ينبغي أن تمارس ضغطا لإسقاط الديكتاتور الليبي معمر القذافي، لأن ذلك يعدل أن يكون «انحرافا عن المهمة». وفي تلك القضية، كما في كثير من القضايا الأخرى، لم يعترف رومني ببساطة بالتذبذب في وجهات نظره، وبدا كما لو كان يجلس في حفل عشاء ثم قام أحدهم بإثارة موضوع بالغ السوقية وسط مجموعة من الحاضرين المهذبين.

وكان أوباما صاحب أفضل رد في الأمسية، حين أبدى رومني شكواه التي يرددها دائما من أن نفقات الدفاع تحتاج إلى زيادة كبيرة، مؤكدا أن الأسطول الأميركي قد صار الآن أصغر حجما مما كان عليه عام 1917. حيث رد أوباما: «سيدي الحاكم، لقد أصبحت لدينا أيضا خيول وحراب أقل»، ومضى يوضح أننا ربما لم نعد في حاجة إلى نفس العدد من السفن التقليدية الذي كنا نحتاج إليه منذ قرن من الزمان، لأننا الآن نمتلك حاملات طائرات وغواصات نووية، وغير ذلك من الأسلحة الحديثة. وقد كانت سقطة رومني الكبيرة هي تأكيده على أن سوريا تمثل «منفذ إيران على البحر»، وهو ما سيعتبر خبرا جديدا جدا بالنسبة للكثير من الإيرانيين الذين يعيشون على طول السواحل الإيرانية الممتدة لآلاف الأميال على الخليج العربي. كما كان تعهده بسحب القوات الأميركية من أفغانستان بنهاية عام 2014 أكثر حسما مما كان عليه في المناظرتين السابقتين.

وطوال الوقت، كانت تبدو على أوباما أمارات الثقة ورباطة الجأش، بينما كان رومني أقل منه بكثير، حيث يعتبر هذا هو أضعف أداء يقدمه رومني في المناظرات الرئاسية الثلاث - وقد أظهر استطلاع رأي فوري أجرته قناة «سي بي إس» أن 53% ممن شملهم الاستطلاع يرون أن أوباما قد فاز، مقارنة بنسبة 23% ممن أبدوا تأييدهم لرومني - وإذا كان هناك أحد حقق مكاسب في استطلاعات الرأي التي أعقبت المناظرة، فأغلب الظن هو الرئيس أوباما.

إلا أن الناخبين الذين ظلوا جالسين في مقاعدهم من أجل الاستماع لمناقشة رفيعة المستوى عن الدور الذي ينبغي أن تلعبه الولايات المتحدة في عالم يشهد تغييرات سريعة شعروا في الغالب بخيبة أمل، فالمناظرات التي جرت هذا العام في سباق الترشح للبيت الأبيض كانت مهمة حقا، إلا أن القضايا التي تمت مناقشتها لم تكن كذلك إلى حد بعيد. والصدام الأكثر جوهرية - المتعلق بالقضايا الاقتصادية التي يقول الناخبون إنها أكثر ما يهتمون به - لم يكن بين أوباما ورومني، بل كان في مؤسسة «سنتر كوليدج» بولاية كنتاكي، حيث تحدث نائب الرئيس جو بايدن وبول ريان عن الوظائف والنمو الاقتصادي وحالات العجز واستحقاقات الضمان الاجتماعي، وأظهرا اختلافات حادة في كيفية رؤية الحزبين للأمة: إذ كان بايدن يؤيد التوافق والتضامن، بينما كان ريان يؤيد المبادأة الفردية. وعلى النقيض من ذلك، فإن المواجهات الرئاسية كانت تدور في المعظم حول الأسلوب والحضور - من كان عدائيا؟ من تصرف كالرؤساء؟ من نظر إلى خصمه في عينيه؟ من أبدى حس الفكاهة؟ من قاطع من؟

ولكن ونحن ندخل في آخر أسبوعين من الحملة، حتى الآن لا توجد لدينا أي فكرة عن كيف سيتمكن رومني من خفض الضرائب على الدخل بنسبة 20% دون أن يتسبب ذلك في تفاقم العجز، ولا نعلم أي استقطاعات ضريبية سوف يستهدفها في محاولة لإلغائها، مع أنه قد قال في المناظرة العلنية إن خطته ربما تتمثل في وضع سقف عام للاستقطاعات والسماح لدافعي الضرائب بتحديد الاستقطاعات التي سيتحملونها. كما أنه ما زال لم يبذل أدنى محاولة لإثبات أن هذه الحسابات معقولة ومنطقية.

ونحن نعلم أن رومني يتخيل مستقبلا يعود فيه الاقتصاد الأميركي إلى مستوى التوظيف الكامل، ولكن لا توجد لدينا أي فكرة حقيقية عن كيف يفترض من كل هذه التخفيضات الضريبية التي يقترحها أن تصل بنا إلى هذا المستقبل. ونحن نعلم أنه وعد بتوفير 12 مليون فرصة عمل جديدة، لكننا نعلم أيضا أن الكثير من خبراء الاقتصاد يرون أن الاقتصاد الأميركي يستطيع إضافة ذلك القدر من الوظائف خلال السنوات الأربع القادمة من دون أي تغيير في السياسات، بافتراض توفير قدر ضئيل من قوة الدفع لعملية التعافي الاقتصادي.

ونحن نعلم ما فعله أوباما وهو في السلطة، من تجنب حدوث انهيار اقتصادي، وإنقاذ صناعة السيارات، وإدخال إصلاحات على نظام الرعاية الصحية، وإنهاء الحرب على العراق، وتصفية أسامة بن لادن. إلا أننا حتى الآن لا توجد لدينا صورة حية عن رؤية أوباما للسنوات الأربع المقبلة، وهو يحاول أن يوضح ملامح سياساته، لكنه لا يخبرنا إلى أين تقودنا هذه السياسات.

لقد فاز أوباما ليلة الاثنين الماضي، وهو في رأيي ما زال يتمتع بتفوق طفيف في المجمل، ولكن لا يوجد أي شيء مضمون.

* خدمة «واشنطن بوست»