الحج وما يوحيه للشعراء

TT

مثلما أحيط شهر رمضان المبارك بشتى التقاليد والأشعار والأهازيج الفولكلورية، كذلك التفت حول مناسك الحج والحجيج ثروة مماثلة من التراث. قلما فات على شاعر أن يقول شيئا في المناسبة. ومن ذلك القصيدة الشهيرة والطويلة التي كتبها ابن الأمير الصفاني. وكان منها هذا الوصف لوصول الحجاج إلى مشارف مكة المكرمة:

وما زال وفد الله يقصد مكة

إلى أن بدا البيت العتيق وركناه

فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا

وكبرت الحجاج حين رأيناه

والتفت أحمد شوقي لهذه الظاهرة الرائعة في تجمع المسلمين من شتى الألوان والأجناس والقوميات وتختفي الطبقيات والامتيازات ويصبح الجميع سواسية أمام الله، فقال:

إلى عرفات الله يا خير زائر

عليك سلام الله في عرفات

ويوم تولى وجهه البيت ناظرا

وسيم مجالي البشر والقسمات

على كل أفق بالحجاز ملائك

تزف تحايا الله والبركات

لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم

لبيت طهور الساح والعرصات

أرى الناس أصنافا ومن كل بقعة

إليك انتهوا من غربة وشتات

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت

لديك ولا الأقدار مختلفات

ونجد على المستوى الشعبي ما يوازي ذلك من أشعار وطقطوقات وأمثال، وبصورة خاصة ما ارتبط منها بالحداء. فقد كان القوم يفدون إلى الديار المقدسة على ظهور الجمال قبل أن يعرفوا السيارات والقطارات. وكانت رحلات الحجيج مشفوعة بالكثير من المغامرات والمصاعب والمهالك. ارتبط كل ذلك بالكثير من التراث الفولكلوري، شعرا ونثرا. كان الجمهور يخرجون من بيوتهم لتوديع قافلة الحجيج، النساء تتباكى والرجال ينادون بالصلوات حتى نقطة معينة من أطراف المدينة، غير عالمين من منهم سيعود ومن سيقضي نحبه. لم يكن هناك إنترنت ولا تليفونات ولا تلغراف. العلم عند الله. يحددون يوما معينا لعودتهم. حدثني الناشر حازم السامرائي كيف كان أهل سامراء يخرجون صباحا في ذلك اليوم إلى مشارف المدينة ويعتلون فوق تلال عالية يحدقون في الأفق البعيد انتظارا لظهور أطراف الأعلام على الأفق فيتصاعد هتاف المنتظرين بالتكبير والصلوات وزغاريد النساء حتى إذا اقترب الموكب ارتفعت أصوات المنشدين مصحوبة بالضرب على الدفوف:

مرحبة بحجاج مكة مرحبة

هلهلت مكة وقالت مرحبة

مرحبة بجد الحسيني مرحبة

وكثيرا ما كان بعض الإبل يهلك في الطريق في مواسم القيظ الحار. لاحظ أحد الجمالين تهالك الإبل في آخر السفر على مشارف المدينة المنورة فانطلق يشد حيلها بالحداء:

يا الناقة اللي يحدي لها جمالها

عند النبي تمايلت برحالها

نذر عليّ إن وصلت المصطفى

من الفضة البيضة أدق نعالها