ظلت دراسة مومياوات الفراعنة وقفا على الباحثين الأجانب فقط دون المصريين الذين ارتضوا أن يقوموا بأعمال المساعدة فقط، ودون أن يكون لهم دور حقيقي في البحث العلمي، وتحولت هيئة الآثار المصرية على أيدي رؤساء سابقين إلى مجرد هيئة موظفين يصدرون التصاريح للأجانب للعمل في المناطق الأثرية والمتاحف، واقتصر دور الأثري والمرمم المصري على مرافقة هذه البعثات والوقوف موقف المتفرج دون مشاركة حقيقية، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو أن أصبح الأجانب أعلم منا بتاريخنا وحضارتنا. ولم تتوقف المشكلة عند هذا الحد، بل وصلت إلى أن أي أثري مصري يحاول أن يشذ عن هذه القاعدة، وأن يكون له دور حقيقي في الحقل الأثري، يحارب ويقصى بأي شكل من الأشكال، ولقد عانيت طوال سنوات عملي لمجرد أنني كنت ولا أزال مصرا على أن أعمل وأكتشف أسرار حضارتنا، وأن أنشر أعمالي وبكل لغات العالم؛ ليعرف الجميع أن من ورثوا حضارة عظيمة أولى أن يكونوا أكثر فهما وإدراكا لأسرارها. ولقد واتتني الفرصة عندما عينت على رأس إدارة الآثار في مصر، فكان أول ما حققته تعليم الأثري المصري فنون الحفر والنشر العلمي عن طريق ما يعرف بمدارس الحفائر، ويدرس بها كوادر علمية مرموقة من شتى بلدان العالم؛ كل في تخصصه. وكان أن تحقق حلمي برئاسة أول فريق مصري متكامل لدراسة المومياوات الملكية، ووضعت ضمن أهداف المشروع الكشف عن عائلة الملك توت عنخ آمون الذي لم يكن أي من دارسي المصريات يعرف على وجه اليقين من هو أبو الملك توت؟ أو من هي أمه وباقي أفراد عائلته؟
ولأن العلم الحديث المرتبط بدراسة الجينات الوراثية وكذلك تحليل ما يعرف بالحامض النووي DNA أصبح ضروريا في دراسة ومعرفة الأنساب، فقد انضم إلى الفريق المصري علماء مصريون في هذه المجالات، وهم الدكتور أشرف سليم، والدكتور يحيى جاد، والدكتورة سمية إسماعيل، والدكتورة سحر سليم. وكانت المشكلة أمامنا هي كيف نمول مشروعا ضخما بهذه التكلفة، حيث كان المطلوب توفير جهاز حديث لإجراء الأشعة المقطعية، وكذلك إنشاء معملين لدراسة الـDNA، وكان الحل هو الاتفاق مع كبرى القنوات التلفزيونية العالمية لتغطية أخبار المشروع المصري واكتشافاته في نظير مدنا بالأجهزة والمعامل ودون أن نتكلف أي أموال.
وكانت الخطوات الأولى للمشروع هي جمع البيانات الخاصة بمومياء الملك توت، وعمل مسح كامل بالأشعة المقطعية، وتحليل الحامض النووي ومقارنته بنتائج الأشعة المقطعية لمومياوات الأسرة الملكية الثامنة عشرة، سواء المعروفة أو المجهولة الاسم، وتوالت المفاجآت والاكتشافات، وعلى رأسها أن المومياء المعروفة بمومياء المقبرة 55 بوادي الملوك هي مومياء الملك إخناتون الذي دعا إلى ديانة التوحيد وآمن بأن رب الكون هو إله واحد، وأنه (أي إخناتون) هو أبو الملك توت. وبإجراء تحليل الحامض النووي على إحدى المومياوات المجهولة لسيدة من البيت المالك اتضح أنها هي أم الملك توت وأنها ابنة الملك أمنحتب الثالث من الملكة تي، وبالتالي يتضح أن إخناتون مارس حقه كملك يمكنه من الزواج بأخته شقيقته؛ الأمر الذي يفسر كذلك حالة الضعف والوهن والمرض التي كان يعاني منها الفرعون الصغير توت وأدت إلى وفاته مبكرا وهو لم يتعد التاسعة عشرة من عمره. ويظل السؤال ما هو اسم أم الملك توت؟ والإجابة صعبة وليست مستحيلة، ولكن تحتاج إلى بحث أثري دقيق؛ فالمعروف أن الملك أمنحتب الثالث كان له خمس بنات من الملكة تي وأسماؤهن محفوظة على تماثيلهن مع أبيهن وأمهن، ولكن أي منهن هي أم الملك توت عنخ آمون؟ نعم فتحنا بابا جديدا في علم دراسة المومياوات، ولكن لا يزال أمامنا الطريق طويلا لفك أسرار الفراعنة.