لبنان «أعجوبة».. حقا

TT

«أخيرا عادت الحياة إلى طبيعتها»..

عبارة رددها كثر في لبنان بعد أيام من الانفجار الإرهابي الذي أودى برئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن وضحايا آخرين. جملة حاول كل من قالها في محادثة أو كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي الإيحاء بأن هناك أمرا مخيفا حدث وكاد البلد ينزلق نحو الهاوية التي باتت تبدو وكأنها قدره، لكن تم احتواء الأمر وعادت سيرورة الحياة إلى ما كانت عليه قبل ذلك.

كم تبدو جملة «عادت الحياة إلى طبيعتها» مجافية للحقيقة، أو لعل الأصح القول: إن العيش الراهن في لبنان جعل للحياة «الطبيعية» معاني غير تلك التي تحملها العبارة.

مرارا حاولت وزارة السياحة إقناع السياح أن بإمكانهم المجيء والاستمتاع في لبنان. لبنان الذي شهد في السنوات السبع الأخيرة سلسلة مرعبة من الأحداث: عمليات اغتيال، حروب كبرى وصغرى، ضبط متفجرات في سيارة سياسي، انفجار كبير في وضح النهار، انفلاتات أمنية، خطف وقطع طرقات واشتباكات متفرقة.. إنها السياقات التي تتأرجح بين كفتيها حياة اللبنانيين، حتى إن نكتة شاعت في لبنان خلال الأيام القليلة الفائتة تقول: إن وزارة السياحة تعد زوار لبنان بأن يكونوا في الجبل خلال أربعين دقيقة وعلى شاطئ البحر خلال نصف ساعة وفي الجنة خلال دقيقة واحدة.

إنها طرفة يتحايل بها اللبنانيون على حيرتهم إزاء واقعهم الذي يزداد قتامة. فلماذا الإصرار على استحضار تلك الصورة القديمة الساذجة عن لبنان التي تعود إلى مرحلة ما قبل الحرب، وهي صورة أريد لها أن تختصر لبنان في أنه البلد الأعجوبة الذي يمكن أن تذهب إلى جبله وبحره في أقل من ساعة..

قبل الانفجار الأخير في الأشرفية، كانت وزارة السياحة اللبنانية قد شرعت في شن حملة، وتعتزم مباشرة إجراءات قانونية ضد المسلسل الأميركي «Homeland» بسبب «تشويهه صورة لبنان» على ما قالت الوزارة التي استفزها كيف أظهر الفيلم لبنان بؤرة للإرهابيين، وهو أمر بحسب وزارة السياحة «سيخيف الأجانب ويدفعهم لعدم زيارته إذا اقتنعوا بما يشاهدون».

لا شك أن تناول المسلسل الأميركي لواقع لبنان فيه كثير من المغالطات والجهل الذي قد يكون متعمدا، لكن هل بعد الانزلاقة الأمنية الأخيرة يمكن نفي الصورة القاتمة عن لبنان..

ثمة محاولات يائسة ومتكررة لإعادة إنتاج صورة عن لبنان ما عادت تصح في وقتنا الراهن، ناهيك عن أنها لم تكن حقيقية أصلا. لبنان ليس بلدا أعجوبة، لكنه اليوم بلد فاشل. لبنان الذي يطلب من ناسه القبول بوأد أي قصة نجاح. فعندما تطلب حكومتنا التروي وانتظار التحقيق في اغتيال وسام الحسن، وهو الأمر الذي فعلته على امتداد الاغتيالات السابقة، تكون فعلا تطلب أن نقبل بمقتل الحسن، وأن نذكركم بأن البحر لا يبعد عن الجبل أكثر من نصف ساعة.

diana@ asharqalawsat.com