إيران: الرئيس الذي استيقظ في اللحظة الأخيرة

TT

«ماذا يحاول أن يفعل؟» كان هذا هو السؤال الذي طرحته صحيفة «كيهان» اليومية في معرض تعليقها على محاولة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الفاشلة لزيارة سجن إيفين، حيث يتم احتجاز بعض السجناء السياسيين في إيران.

وإذا كانت الصحيفة، التي تصدر عن مكتب «المرشد الأعلى» علي خامنئي، قد افترضت أن أحمدي نجاد سوف يعود جارا وراءه أذيال الخيبة، فقد أساءت التقدير للغاية، حيث قام الرئيس الغاضب برد الضربة عن طريق نشر نص رسالتين، أولاهما كانت موجهة إليه من رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، والأخرى كانت رده على الرسالة الأولى.

كتب لاريجاني، وهو من القيادات الدينية ذوي المرتبة المتوسطة، ليؤكد أن الرئيس لن يتم السماح له بزيارة سجن إيفين وأن خطوة أحمدي نجادي تحركها دوافع سياسية. وفي وقت سابق، قام المدعي العام الإيراني محسني ايجئي، وهو أيضا من القيادات الدينية ذوي المرتبة المتوسطة، بانتقاد أحمدي نجاد بصورة علنية لرغبته في زيارة هذا السجن اللعين. كان من الواضح للغاية أن هذين الرجلين قد تصرفا بناء على أوامر من خامنئي الذي قام بتعيينهما، والذي يعد هو الآخر من القيادات الدينية ذوي المرتبة المتوسطة.

وفي الخطاب الصادر عنه، أشار أحمدي نجاد إلى الكثير من المواد الدستورية التي تصف الرئيس بأنه رأس السلطة التنفيذية الموكل إليه مهمة «حماية الحقوق الرئيسية للأمة الإيرانية».

ولكن من الواضح للغاية أن لاريجاني وايجئي لا يكترثان على الإطلاق بالقانون، باستثناء قانون الغاب بالطبع، وهو ما يظهر جليا من خلال تدخلهما في هذه المسألة التي ليست من شأنهما، من الناحية القانونية، حيث تدخل مهمة إدارة السجون في نطاق اختصاصات وزارة الداخلية. وعلاوة على ذلك، هناك بعض الإجراءات القانونية لزيارة سجن إيفين، مثل غيره من السجون، ليس فقط من قبل عائلات السجناء، ولكن أيضا من الطواقم الطبية والباحثين والمحامين.

الأمر المثير للدهشة حقا هو مقدرة اثنين من الملالي غير المنتخبين على إبعاد الرئيس المنتخب عن جزء من أراضي الدولة. وإذا كان بمقدور هذين الرجلين أن يقررا إلى أين يستطيع أحمدي نجاد الذهاب وإلى أين لا يستطيع، فما الذي قد يمنعهما من حرمانه من حق الخروج من منزله؟

وحيث إن لاريجاني وايجئي من القيادات الصغيرة، بات من الواضح أن المعركة الرئيسية بين أحمدي نجاد وخامنئي.

لطالما كانت مثل هذه المعارك هي السمة المميزة للنظام الخميني منذ البداية. حيث تم إجبار مهدي بازركان، الذي ترأس الحكومة الأولى تحت النظام الخميني، على تقديم استقالته بعد أن أدرك أنه «مثل سكين من دون نصل»، بينما اضطر أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب في البلاد، للفرار بحياته عقب تهديد الخميني له بالاغتيال. أما محمد علي رجائي، الرئيس الثاني المنتخب، فقد لقي حتفه في تفجير بالقنابل لم يتم معرفة مرتكبيه حتى يومنا هذا.

وفي المقابل، قرر بعض الرؤساء تبني سياسة المماطلة، حيث تقبل علي خامنئي المهانة بعد أن أمره الخميني علانية بالتركيز على الدراسات الدينية، بينما تمكن خليفته هاشمي رفسنجاني من الاستمرار في عمله عن طريق تجنب القضايا السياسية والتركيز على مصالح عائلته التجارية. أما الرئيس محمد خاتمي، فقد تمكن من المماطلة عن طريق السفر حول العالم للحديث عن هوبز وهوبسباوم.

ولكن أحمدي نجاد كان الأول بين «الرؤساء التنفيذيين» السبعة للجمهورية الإسلامية الذي يقرر الصمود والقتال. فلا ينوي أحمدي نجاد الاستقالة مثلما فعل مهدي بازركان، أو يخطط للفرار مثلما فعل أبو الحسن بني صدر، أو سيقبل المهانة مثلما فعل علي خامنئي - عندما كان رئيسا - أو سيقايض على الصلاحيات السياسية بالمصالح الاقتصادية مثلما فعل هاشمي رفسنجاني أو حتى التبسم وتحمل الصعاب مثلما فعل خاتمي.

هذه ليست المرة الأولى التي يبحث فيها الرئيس المتعجرف عن معركة، ولم يكن موضوع السجن هو الموضوع الوحيد الذي يثيره. ففي الآونة الأخيرة، جاءت غارته الأكثر جرأة خلال زيارته لنيويورك عندما أعلن، في ما لا يقل عن 5 مناسبات، أنه مستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة، في تحدٍ واضح لفتوى خامنئي التي تحرم إجراء أي محادثات مع «الشيطان الأعظم». وفي تجاهل كامل لمهاتراته السابقة المناهضة لإسرائيل، زعم أحمدي نجاد أن الجمهورية الإسلامية «ليست عدوا لأي دولة»، وتسعى لإقامة علاقات طيبة مع الجميع.

وبالطبع، صب فصيل خامنئي جام غضبه على تصريحات أحمدي نجاد حتى قبل عودته للبلاد، حيث صرح محمد علي سعيدي، وهو رجل دين وحلقة الوصل بين خامنئي وقوات الحرس الثوري الإسلامي، للمراسلين الصحافيين بأن الجيش قد ارتكب «خطأ فادحا» بمساعدة أحمدي نجاد على أن يصبح رئيسا للبلاد، مضيفا: «لم نكن نعلم أنه سيصبح خطرا على النظام وعلى الإسلام».

ومع بقاء سبعة أشهر فقط في فترة ولايته الرئاسية، لماذا قرر أحمدي نجاد الدخول في معارك في مثل هذا التوقيت؟

يرى البعض أنه يسعى إلى أن ينأى بنفسه عن النظام، الذي يدرك جيدا أنه يتجه نحو المجهول، وبهذا يحاول تحسين صورته التاريخية، بينما يزعم آخرون أنه يطمع في منصب الرئيس المقبل. ولكن طبقا للدستور الإيراني، لا يحق لنجاد الترشح لولاية ثالثة على التوالي، ولكن يستطيع ترشيح أحد المقربين منه للمنصب، كي يظل لاعبا أساسيا في هذه اللعبة القاتلة.

ولكن لا يعد أي من التفسيرين مقنعا بالصورة الكافية.

لقد تحددت صورة أحمدي نجاد التاريخية في عام 2009، عندما أعلن خامنئي فوزه بالانتخابات الرئاسية، حتى قبل إعلان نتائج الانتخابات بصورة رسمية. مثلت هذه الخطوة نهاية مزاعم النظام بوجود جمهورية في إيران، كاشفة عن أن هذا النظام ما هو إلا خليط مفزع بين خرافات العصور الوسطى والأنظمة الفاشية والشيوعية. أما بخصوص أمل أحمدي نجاد وأن يكون لفصيله مرشح في الانتخابات الرئاسية، أو حتى ربما يفوز بالمنصب، فإن تصرفاته الأخيرة التي تنم عن التحدي تجعل من هذا الاحتمال أمرا مستبعدا، حيث يستطيع خامنئي الاعتراض على ترشيح أي شخص مقرب من أحمدي نجاد للرئاسة.

ولكن الطريقة الوحيدة التي قد تعطي لتصرفات أحمدي نجاد معنى هو أن يكون لديه الشجاعة الكافية لإقحام الشعب في هذه الأمور، وهو ما يعني حشد الدعم الشعبي لتغيير دستور البلاد للتخلص من مبدأ «ولاية الفقيه»، الذي يعد مصدرا للكثير من المآسي التي تعاني منها إيران على مدار العقود الثلاثة الماضية.

ولمح أحمدي نجاد إلى هذا الأمر في خطابه إلى لاريجاني، حيث قال: «بناء على اليمين الذي أديته لتولي منصبي، فأنا مصمم على ضمان التطبيق الكامل لأحكام الدستور والإصلاحات الأساسية لشؤون البلاد». وأضاف نجاد أنه يعتزم زيارة السجون وبعض المحاكم لتقييم: «تطبيق الدستور وفقا للحقوق الأساسية للشعب»، ووعد بأن ينقل النتيجة التي يخلص إليها ليس فقط إلى خامنئي، ولكن أيضا إلى «أمتنا العظيمة».

حسنا، دعونا ننتظر لنرى.