الدولة تتوحد على سبيل التغيير

TT

هناك لحظات يكون بمقدورك فيها أن تلمح بعض التوافق بين الحزبين بشأن السياسة الخارجية، وكانت المناظرة التي عقدت مساء الاثنين بين المرشحين الرئاسيين من إحدى تلك المرات التي شهدت هذا التوافق. لقد كان يعلم كل من باراك أوباما وميت رومني أنهما يتحدثان عن دولة قلقة من الحرب، واستخدما الكلمات نفسها تقريبا عند الحديث عن سحب القوات وتفادي الدخول في المزيد من الصراعات ومكافحة الإرهاب من دون شن «حرب عالمية». لقد عبر أوباما عن أشكال متنوعة للسياسة الخارجية نفسها التي اتبعها على مدى الـ4 أعوام الماضية، وإن لم يكن هذا بوضوح وبدعم شعبي. مع ذلك كان جليا مساء الاثنين أننا نعيش في عالم مختلف شهد تغيرا، واختفى منه نظام جورج بوش الابن العدواني بحق، حين قال رومني في أول إجابة له خلال المناظرة: «لا يمكننا أن نتبين طريقنا في ظل هذه الفوضى». هذا الرفض لما كان يوصف منذ بضع سنوات بـ«الحرب الطويلة» هو أمر أسمعه من جنرالات رفيعي المستوى وجنود في ميدان المعركة، ويزداد دعمه، كما توضح استطلاعات الرأي.

وأكدت المناظرة رغبة أميركا عام 2012 في تسوية الصراعات وإنهائها وتفادي خوض نزاعات أخرى جديدة. حتى إذا كان ينبغي على أوباما أن يخسر الانتخابات المزمع إجراؤها في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، ربما يكون هذا التوافق البازغ هو الإرث الذي سيخلفه. وبينما أدار بوش دفة البلاد في أعقاب هجمات الـ11 سبتمبر (أيلول)، وأدخل البلاد في حربين طويلتين تشملان قدرا كبيرا من الألم والمعاناة في العالم الإسلامي، عبر أوباما عن رغبة شعبية في «طي الصفحة»، كما يحلو له أن يقول، وإنهاء عقد من الحرب؛ على الأقل الحرب التي تشمل تدخلا عسكريا مباشرا.

بديل الصراع العسكري التقليدي بالنسبة لأوباما هو الهجمات التي تتم بطائرات من دون طيار. ودعم رومني هذا التوجه من القتل القائم على الاستهداف أيضا. وهذا جزء آخر من التوافق الأميركي الجديد الذي يستحق المزيد من النقاش المجتمعي. كانت لإجابات رومني ثقل نابع من مجموعات التركيز واستطلاعات الرأي. لقد دعم استراتيجية فرض العقوبات على إيران التي تبناها أوباما، وأوضح أن الحل العسكري هو آخر حل يمكن اللجوء إليه. لقد أعلن أن زيادة القوات التي أمر بها أوباما في أفغانستان كانت خطوة ناجحة، ووعد بعدم إبقاء القوات هناك إلى ما بعد عام 2014، حتى وإن ظلت أفغانستان ممزقة. ورفض التدخل العسكري في سوريا، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي. وقال: «لا نريد حربا أخرى مثل حرب العراق، ولا نريد حربا أخرى مثل الحرب في أفغانستان». وعبر عن رغبته في مساعدة العالم الإسلامي من خلال دعم الاقتصاد والتعليم والمساواة بين الجنسين وسيادة القانون في الدول الإسلامية.

مما لا شك فيه أنه كان يستهدف بإجاباته الناعمة أصوات النساء، لكن الحقيقة هي أن رومني مثل دوارة الرياح، فهو رجل يحيك مواقفه بحيث تتوافق مع أغراضه السياسية، التي تؤكد إدراكه للمزاج العام. وفي ظل عزم رومني الاضطلاع بدور القائم على حفظ السلام، بات متاحا أمام أوباما قول أفضل سطور كان ليقولها رومني، حيث سبقه إلى التعبير عن تعاطفه ودعمه لإسرائيل «الصديق الحقيقي» لأميركا. وتحدث عن أميركا بوصفها دولة «لا يمكن الاستغناء عنها». لقد بدا كرجل يتخذ موقفا عدوانيا مباشرا حتى يُنظر إليه بصفته قائدا أعلى للقوات. ما الذي تخبرنا به استطلاعات الرأي عن الرأي العام في البلاد تجاه المرشحين الرئاسيين خلال تلك المناظرة؟ لخص مايكل مازار، أستاذ الدفاع القومي في الجامعة، من خلال جمع عدد من استطلاعات الرأي في مقال نُشر مؤخرا في دورية «واشنطن كوارترلي»، حيث أشار إلى استطلاع رأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث. وأوضح الاستطلاع ارتفاع النسبة المئوية للأميركيين، الذين يعتقدون أن البلاد يجب ألا تتدخل في شؤون غيرها على المستوى الدولي، من 30% عام 2002 إلى 49% عام 2009.

ويتضح قلق أميركا من الصراع العالمي في استطلاع آخر حديث أجراه مركز «بيو». وأوضح الاستطلاع، الذي أجري في سبتمبر (أيلول)، تراجع نسبة الأميركيين الذين يرون أن قضية الإرهاب «مهمة جدا» في تحديد اختيارهم في الانتخابات بنسبة 12% منذ عام 2008. وفي المقابلات التي تمت في سبتمبر (أيلول) عقب الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، وافق 45% ممن تمت مقابلتهم على طريقة تعامل أوباما مع الموقف، في مقابل 26% دعموا طريقة رومني. وبحسب استطلاع أجري في أكتوبر (تشرين الأول)، دعم 63% موقفا أميركيا «أقل تدخلا» في الشرق الأوسط.

وأتمنى لو أنني رأيت موقفا أكثر وضوحا من المرشحين الرئاسيين فيما يتعلق بكيفية تشكيل الولايات المتحدة للعالم الإسلامي الذي تعمه الاضطرابات، وإسقاط بشار الأسد في سوريا وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن أفغانستان من دون إرسال قوات أميركية. سيكون هذا بمثابة مناظرة حقيقية يحتاجها هذا البلد القلق من الحرب؛ مناظرة عن بدائل لإثبات قوة أميركا في مرحلة انتقالية تتسم بعدم الاستقرار بشكل كبير. ومع ذلك كانت الرسالة الأساسية التي حملتها مناظرة يوم الاثنين واضحة ومفادها أن البلاد قد تختلف على كثير من القضايا، لكنها تتوحد على عدم الرغبة في خوض حرب أخرى.

* خدمة «واشنطن بوست»