الدوحة في غزة

TT

أمضيت العام الماضي يومين في الدوحة بعد غياب نحو عقدين ووجدت أنه لم يعد ثمة أثر لقطر التي أعرفها. لكن الأكثر أهمية لم يكن المباني المعدنية الشاهقة التي عمت الخليج برمته، بل قطر المتحركة سياسيا في كل الاتجاهات. ففي بهو الفندق كان يجلس ساهما طوال النهار وزير خارجية ليبيا السابق وأول المنشقين موسى كوسا، وعلى شاشة «الجزيرة» كان يطل المفكر الفلسطيني عزمي بشارة بعد قليل من إطلالة الشيخ القرضاوي. وكان بشارة قد انتقل من دمشق وتأييدها وكذلك فعل خالد مشعل، وامتلأت العاصمة القطرية بالمسؤولين «السابقين» بأكثر مما حفلت القاهرة في الستينات من لاجئين سياسيين.

لم تكتف قطر بالدور السياسي في تونس ومصر بل ألحقته بدور عسكري في ليبيا، مما جعل القذافي يقول في إحدى خطبه، مخاطبا القطريين: «ماذا جرى يا إخواننا». ثم تقدم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم حملة دبلوماسية على النظام السوري في الجامعة العربية وفي مؤتمرات «أصدقاء سوريا».

وفي كل ذلك كانت «الجزيرة» تخرج عن شكليات الموضوعية الصحافية إلى التأييد المعلن للحركات العربية. وتغيرت التحالفات السابقة في الدوحة، خصوصا مع دمشق وطرابلس. وظهرت العاصمة الصغيرة وكأنها تلعب أكبر دور سياسي في أعقد المراحل العربية، من دون أن يستطيع أحد تفسير الجزء المتناقض في هذا الدور، أو ما هو الهدف النهائي للتحرك القطري المتزايد، أفقيا وعموديا، في كل الاتجاهات.

رحلة الشيخ حمد بن خليفة إلى غزة هي الأقل توقعا في هذه التحركات. هل هي الخطوة الأخيرة في احتضان حماس الذي بدأ بانتقال خالد مشعل من دمشق إلى الدوحة؟ هل الزيارة تكرس الانقسام الفلسطيني كما قال أهل السلطة في رام الله؟ هل تؤدي مشاريع التنحية التي حملتها قطر إلى مناخ أكثر ليونة في القطاع الذي يعاني من أسوأ أنواع الفقر؟ هل هي تحد لإسرائيل الذي استنكر وزير خارجيتها الزيارة؟ وفي هذه الحال، ماذا جرى للعلاقة الخاصة بين الغرب وقطر؟

تقوم العاصمة الصغيرة بأدوار تؤكد أن المساحات الجغرافية لا تؤثر في حجم الخطوات السياسية. لكن زيارة غزة أبعد مدى حتى الآن من كل ما سبق، في الوقت الذي يعلن فيه مشعل وإسماعيل هنية التخلي عن المسؤوليات المعلنة، بالتأكيد لما هو أهم من ذلك.