«الملك فيصل: في حياته وعصره وإيمانه»

TT

أحاطت بالسعودية خلال نصف قرن، ثلاث حروب إقليمية ودولية: حرب اليمن أيام الملك فيصل بن عبد العزيز، وحرب الكويت أيام الملك فهد، وحرب الإرهاب أيام الملك عبد الله. كان الهاجس الاستراتيجي الأهم رد الحروب عن أمن الداخل، سواء من خلال التحرك الناصري عبر اليمن أوائل الستينات، أو من خلال الدعم الإيراني للحوثيين الذين حاولوا أيضا مد الحرب عبر الحدود. أما بعد احتلال الكويت فتوقف العراقيون في «الخفجي»، أو المنطقة المعروفة بالمحايدة.

في كتاب الباحث الروسي ألكسي فاسيليف «الملك فيصل: شخصيته وعصره وإيمانه» (دار الساقي) توثيق بارع لمرحلة تأسيسية شديدة الأهمية في تاريخ المملكة. ففيما خاض الملك فيصل في هدوء مذهل، حروب الجوار والحروب السياسية الصاخبة في المنطقة، بدأ في الوقت نفسه مرحلة مسيرة ضخمة في حقل التعليم والضمان والتصنيع والإسكان ومد شبكات الطرق وتطوير صناعة النفط وإنشاء الوزارات الجديدة في الحكومة.

لم يتجاوز عهد فيصل العقد إلا قليلا. لكنه مثل كل عقود نصف القرن الماضي كان عاصفا في كل مكان. وكان الملك هادئا ولكن في حزم لا يتراجع. وقد حاول هنري كيسنجر إقناعه بجدوى بدء عملية السلام مع مصر، فرفض كليا، قائلا إنها يجب أن تبدأ مع سوريا، لكي يكون السلام كاملا وشاملا. عبثا حاول وزير خارجية أميركا.

يغطي الكتاب، من خلال المراحل والشهادات الشخصية للذين عرفوه أو عملوا معه، فصولا سياسية وإنشائية، تركت آثارها في المملكة وفي المنطقة. ويقول المؤلف إن الرياض لم تطلب المواجهة ولم تردها في أي مكان، لكن هي التي جاءت إليها. وكان فيصل، الشديد الإيمان، يرى في تحالف مزيف عربي مع الاتحاد السوفياتي، خطرا إلحاديا قائما. ويروي المؤلف أن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف حاول أن يسخر من الدين ومن المؤمنين أمام الرؤساء عبد الناصر وبن بيلا وعبد السلام عارف، فتصدى له عبد الناصر. وكان المترجم الروسي تجاهل الكلمات البذيئة التي وردت على لسان خروشوف.

يقع الكتاب في 638 صفحة مكثفة بالمعلومات وموثقة بطريقة علمية واضحة. الذين رافقوا المرحلة سوف يفهمونها أكثر، والذين لم يدركوها سوف يتعرفون إليها بسهولة.