زيارة الأمير

TT

شعر قادة السلطة في رام الله بالصدمة وهم يستمعون إلى الأخبار التي أفادت بعزم أمير قطر والسيدة حرمه زيارة قطاع غزة.

ويبدو أنهم لم يبذلوا مجهودا يذكر لثني الأمير، أو أنهم اعتمدوا على ضغوط قد تنشأ من طرف ثالث، تؤجل الزيارة، وتجنب السلطة حرجا كبيرا، حيث ستعتصر حماس حدثا كهذا حتى القطرة الأخيرة، وتضعه في سياق التنافس المحموم بينها وبين رام الله.

ويبدو أن الطرف الثالث المفترض، لم يتدخل بالقدر الذي يؤجل أو يمنع، وإذا كان هذا الطرف مصر، فقد ظهر موقفها واضحا، مما ضاعف انزعاج السلطة، حين لم تشجع أمير قطر على الزيارة فقط، بل أوفدت معه وزيرا كان ظهوره إلى جانب الأمير بمثابة إعلان شراكة مصرية قطرية في أمر غزة، إذ سبق الموقف المصري الداعم للزيارة والمتبني لها، اتفاقات لوجيستية توفر لقطر إمكانات فعالة لتنفيذ مبادرتها نحو غزة، والتي وصلت بالتقويم المالي نصف مليار دولار وهو أعلى رقم تحظى به غزة منذ الانشقاق.

الرئيس محمود عباس الذي تلقى اتصالا هاتفيا من الأمير يحيطه علما بالزيارة، وجد نفسه مضطرا لتأييدها ولكن بصورة متحفظة، أما اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فقد تحفظت بصورة غير مباشرة، ورحبت بالدعم الموجه لغزة، ولولا بعض المقالات المقتضبة التي لمح كاتبوها إلى انزعاجهم من الزيارة لمرت على الضفة دون تحفظ.

الجميع قدر موقف السلطة موضوعيا، حيث لا تستطيع فعل غير ما فعلت، ويبدو أن العقلانية الاضطرارية التي طبعت موقفها كانت بسبب التطلع نحو تعويض سياسي ومعنوي وربما مادي تريده من قطر، ليساعدها على كبح جماح التحليلات المخيفة التي ظهرت على سطح الزيارة كتأثيرها على الشرعية الرسمية أو مسها بوحدانية التمثيل الفلسطيني، إضافة إلى فتح الأبواب على مصاريعها لاستنتاجات سياسية تستند إلى المتغيرات الجذرية التي حدثت في مصر، وموقف الولايات المتحدة من الإسلام السياسي والرهانات المنبثقة عن هذا الموقف.

ولعل أكثر ما أصاب السلطة في رام الله من توجس وشك، أن الزيارة جاءت في وقت تعطلت فيه كليا جهود الوساطة من أجل المصالحة، بما في ذلك إلقاء ظلال على تفاهم الدوحة الذي سجل في حينه كإنجاز قطري يرقى إلى مرتبة الاختراق، إلا أن حماس وبصورة علنية أحبطته أو أنها غمرته بغبار صراع داخلي كان ضحيته الأبرز السيد خالد مشعل صاحب المبادرة السريعة في الاستجابة للمسعى القطري.

ومع أن أحدا لا يستطيع انتقاد الإغداق القطري على غزة، التي أمضت أكثر من شتاء قارص وجزء من سكانها بلا مأوى، إلا أن المخاوف الدفينة لا تزال تتفاعل، ولعل ما غذاها على نحو مباشر، ما أذيع عن اتفاق للتهدئة بين حماس وإسرائيل، وهذا يحمل بعدا سياسيا أكثر من البعد الأمني وأكثر مدعاة للارتياب.

وموضوعيا أو بصورة محايدة، فإن الزيارة التي انطوت على جسارة في تحدي القوالب المتكرسة منذ انقلاب حماس، ودفعت كثيرين إلى اعتبارها خطوة نحو تكريس وجود إمارة إسلامية في غزة، يمكن أن تتلوها جهود أخرى كي لا تتوقف عند هذا الأمر، وليس غير ولادة مبادرة قطرية مصرية جديدة وجدية لإنهاء الانقسام يمكن أن تعالج أشكالا كهذا.

ومع أنني لا أوافق على فكرة الإمارة الإسلامية من حيث الشروط القانونية والسياسية، إذ لا أحد يقوى على الإقدام على مجازفة كهذه، إلا أن اللغط حول هذا الأمر يبدو خطيرا ومحبطا ومن شأنه تعميق الانشقاق وتكريس الإمارة الإسلامية كأمر واقع، يضطر العالم إلى التعامل معه دون أن يحتاج إلى اعترافات رسمية، أو إجراءات تمنح الإمارة المفترضة مكانة فعلية في عالم الدول والكيانات.

كانت زيارة الأمير مثيرة لألف سؤال وسؤال، إلا أنها في المجرى السياسي منحت حماس نقاطا ثمينة ومهمة في تنافسها المحموم مع فتح، وأعتقد أن حنكة أمير قطر وحصافته، ستجعلانه يقدم على خطوات عملية لإزالة كل أسباب الحذر والتوجس والخوف.