مآثر مسؤول استخبارات شرق أوسطي

TT

قبل مصرعه بثلاثة أيام، أخبرني اللواء وسام الحسن في اتصال هاتفي من فرنسا بأن اتصالاته بالمعارضة السورية تضعه «تحت دائرة الضوء لحزب الله»، وتجعل «التحرك أمرا معقدا» لأنه بات هدفا محتملا. وأصبحت تصريحات مدير الاستخبارات اللبنانية تحمل كلمات مؤرقة للغاية بعد مصرعه في التاسع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) في هجوم بسيارة مفخخة في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث كان يعرف أنه سيكون معرضا للخطر في حال عودته إلى لبنان لأنه تحدى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنه عاد إلى وطنه على أية حال، لأن هذا كان واجبه وعشقه أيضا.

وبالنسبة للقراء الغربيين، غالبا ما يكون ضحايا مثل هذه الهجمات الإرهابية مجرد قصاصات من الورق تحمل أخبار مصرعهم، حيث باتت الاغتيالات أمرا معتادا ودمويا للدرجة التي تجعل من السهل تجاهل أهمية وقيمة الضحايا، وكان هذا بالتأكيد هو الحال مع اللواء وسام الحسن الذي كان لقبه هو رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي اللبناني، ولكن هذا اللقب اللطيف كان يخفي وراءه حقيقة أنه كان أقوى ضابط استخبارات سني في لبنان، والرجل الذي كانت تنظر إليه الحكومة الأميركية على أنه لاعب محوري في المنطقة.

وغالبا ما يزرع رؤساء الأجهزة الاستخباراتية في الدول العربية مشاعر الغرور والعظمة التي تعد جزءا أصيلا من ثقافة أجهزة المخابرات التي تعتمد على الترهيب، ويتم مخاطبتهم ببعض الألقاب الشرفية العثمانية، مثل «باشا» في الأردن و«أفندم» في مصر. وتنبع الأفعال القاسية التي يقوم بها الكثير من رؤساء أجهزة الاستخبارات من مكانتهم النخبوية التي لا يمكن المساس بها.

وكان الحسن مختلفا عن هؤلاء، من حيث السلوك بكل تأكيد، فقد كان بدينا وذا وجه بشوش وهادئا ورابط الجأش. ولو كنت تجلس في حجرة مزدحمة، سيكون هو آخر شخص يمكن أن تعتقد أنه يعمل في مجال الاستخبارات. وفي هذا الصدد كان الحسن هو النسخة العربية من شخصية مسؤول الاستخبارات الشهير جورج سمايلي في روايات الأديب جون لي كاري، حيث كان الحسن رجلا «رماديا» يعمل في بلد تلاشت فيه الخيارات الأخلاقية بين الأبيض والأسود منذ زمن بعيد، هذا إن كانت قد وجدت من الأساس.

وفي الواقع، كان الحسن متفردا من زاوية أخرى، هي رغبته في الحديث مع الصحافيين، فقد التقيت به عندما جاء إلى واشنطن في أواخر شهر أغسطس (آب) الماضي لزيارة مسؤولين أميركيين، وكان لا يريد أن يتم نشر التصريحات التي أدلى بها، ولكن بعد اغتياله قال الشخص الذي رتب تلك المقابلة الشخصية إنه يمكنني نشر هذه المادة.

وفي تلك المقابلة، تحدث الحسن عن الكثير من النقاط، كان أولها أنه يتمنى أن يبقى لبنان بعيدا عن الحرب السورية من خلال غلق الحدود بحيث لا يتم استخدامها كممر لعبور الإمدادات للثوار السوريين، كما هو الوضع الآن على الحدود التركية. أما النقطة الثانية فهي أنه كان يرغب في اختبار قوة حزب الله الشيعي من خلال التأكيد على أن التنظيم لن يستخدم سلاحه ضد اللبنانيين الآخرين.

وكان الموضوع الثاني الذي تم التطرق إليه في تلك المقابلة هو المهمة الصعبة لدعم المعارضة السورية، حيث كان الحسن يتحدث إلى مسؤولين أميركيين حول طرق دعم الجيش السوري الحر، وفي نفس الوقت، كبح جماح المتشددين التابعين لتنظيم القاعدة. وكان الحسن يركز بشكل كبير على التحدي المتمثل في مكافحة «الجهاديين»، وأشار إلى سلسلة من العمليات التي شهدت قتال الجيش السوري الحر ضد المتطرفين، وفي بعض الحالات قام بقتلهم على الفور.

وقال الحسن: «الشعب السوري غير مستعد لتبني التطرف»، مضيفا أنه لا يتعين على الولايات المتحدة إمداد الثوار بالأسلحة، ولكن «يتعين على الولايات المتحدة أن تكون على الحدود» لكي تعمل مع المملكة العربية السعودية والأردن وتركيا على تدريب الثوار ومساعدتهم في عمليات القيادة والسيطرة.

وبعدما سافرت إلى سوريا في بداية شهر أكتوبر، سعيت إلى معرفة رأي الحسن في ما يجري، وبالفعل اتصل بي في السادس عشر من شهر أكتوبر من فرنسا، وأصر على أن الحل الوحيد للأزمة السورية يتمثل في تشكيل قيادة موحدة للجيش السوري الحر، قائلا: «يجب أن يمر كل دولار وكل رصاصة من خلال القيادة العليا».

واختتم الحسن حديثه بنصيحة مفادها أنه لا يتعين على الولايات المتحدة أن تتخيل أنها قد دخلت في «حرب رمادية» في سوريا، قائلا: «إنها حرب حقيقية... وعليك القيام بذلك 24 ساعة في اليوم».

وعندما أنظر إلى صور الأنقاض في الشارع في حي الأشرفية حيث قتل الحسن، أعتقد أنه قد قلل من قدرة حزب الله وغيره من الحلفاء اللبنانيين لسوريا. وخلال الأيام التي سبقت عودته إلى لبنان، كان الحسن يتعرض للهجوم بشكل صريح من قبل صحيفة «الديار» اللبنانية المؤيدة لسوريا، وكان الحسن يدرك أن هذا بمثابة تحذير له. وكان الحسن محقا في ما كان يقول، لأنها بالفعل حرب حقيقية نجحت في اختراق الحدود اللبنانية وقتلت الرجل الذي قد يكون أفضل المدافعين عن المعارضة السورية في العالم العربي.

* خدمة «واشنطن بوست»