ضرورة تعزيز التعاون بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا والخليج

TT

كانت عناوين الصحف هذا الأسبوع تتحدث كلها عن نجاح بريطانيا في الخروج من حالة الركود، رغم التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي وتصاعد الأزمة في منطقة اليورو. ويشير المحللون إلى أن الاقتصاد البريطاني قد سجل أفضل أداء له منذ 5 سنوات، وأن بريطانيا أصبحت تحتل الآن موقع الصدارة في أوروبا. وذكرت مجموعة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث أن بريطانيا العظمى كانت صاحبة أقوى أداء بين الاقتصادات الكبرى في العالم ما بين شهري يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، متوقعة أن تحتفظ بريطانيا بتفوقها على باقي دول أوروبا حتى عام 2015 على الأقل. كذلك أشارت أحدث التوقعات من صندوق النقد الدولي إلى أن بريطانيا سوف تصبح أقوى اقتصاد في أوروبا العام القادم، إلا أنها لن تتمكن من مجاراة الولايات المتحدة.

ويمثل هذا تحولا مهما بالنسبة لبريطانيا، التي كانت من بين أوائل الاقتصادات الكبرى التي عانت من ركود متكرر عقب التعافي الهش من الأزمة المصرفية التي وقعت قبل 4 سنوات، وما زال هناك عدد من القيود التي تعني أن الاقتصاد يجب أن يستمر في بذل جهد كبير من أجل النمو خلال الأشهر التالية. ويتكون جزء كبير من الاقتصاد البريطاني من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات السمعة العالمية، حيث إن هذه المشروعات تمثل في حجم النشاط التجاري الوطني البريطاني نسبة أكبر مما تمثله في مؤشر «فوتسي 100» بأكمله. وفي منطقة الخليج أيضا، أصبحت المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي المحرك الرئيسي للنمو والتنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل الجديدة، وهذه المشروعات لها جذور داخلية وتوفر فرص عمل محلية، إلا أنها يمكنها أيضا أن تستغل الفرص التي تتيحها العولمة.

وتوضح بيانات «المكتب الوطني للإحصاء» في بريطانيا أن 99.9 في المائة من الشركات الموجودة في بريطانيا العظمى تصنف ضمن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذه المشروعات توظف ما يزيد على 60 في المائة من القوى العاملة في البلاد، حيث يوجد ما يقدر بنحو 4.8 مليون شركة في بريطانيا العظمى يعمل بها 29.6 مليون شخص، بينما يعمل في المشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو 17.5 مليون شخص، ويتجاوز إجمالي حجم أعمالها مجتمعة 1500 مليار جنيه إسترليني.

وفي المملكة العربية السعودية، تسهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 33 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ويعمل بها 25 في المائة من القوى العاملة المحلية، وذلك بحسب تقرير صدر عن شركة «كابيتال غروب إنترناشيونال» عام 2011. وفي الإمارات العربية المتحدة، تسهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتوظف 86 في المائة من إجمالي القوى العاملة بها. ويوضح التقرير أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تسهم بنسبة تتراوح بين 35 و45 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وبنسبة تقدر بنحو 40 - 60 في المائة من معدل التوظيف العالمي. وتستوعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة 52 في المائة من القوى العاملة في القطاع الخاص الأميركي، كما تسهم بنسبة 64 في المائة و44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في كل من إسبانيا وأستراليا على الترتيب. وهذا يبين أن الشركات الصغيرة في دول مجلس التعاون الخليجي غير فعالة نسبيا، حيث إن نصيبها في التوظيف أعلى بكثير من نصيبها في إجمالي الناتج المحلي.

وتعتبر الشركات الكبيرة ضرورة للحفاظ على هيكل الاقتصاد واستمراره، إلا أن الاقتصادات الغربية أدركت منذ عقود أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي في الحقيقة المحرك الرئيسي للاقتصاد، حيث بدأت المؤسسات الضخمة في كثير من الحالات تفقد أفضليتها أمام المؤسسات الأصغر حجما والأكثر فطنة، التي نشأت وتطورت في جميع أنحاء المشهد الغربي. ويقف الشرق الأوسط الآن عند نقطة تحول جديدة تطلق منها المشروعات الصغيرة والمتوسطة ثورة على مستوى القاعدة.

وفي منطقة الخليج، يعتبر التعليم في مجال العمل التجاري وإدارة المشروعات التجارية الصغيرة محدودا للغاية، حيث إن معظم الجامعات لا تقدم أكثر من مقرر تمهيدي واحد في مجال الأعمال ضمن مناهجها الدراسية لسنوات ما قبل التخرج، وهناك القليل جدا من برامج الدراسات العليا والبرامج التخصصية في هذا المجال، كما توجد محدودية كبيرة في إشراك مجتمع الأعمال وكذلك في الأبحاث المؤسسية. ويرى كثير من الباحثين أن كليات الأعمال لا يمكن أن تتجاهل التعليم في مجال العمل التجاري وإدارة المشروعات التجارية الصغيرة في القرن الحادي والعشرين، مؤكدين أن كليات الأعمال على المستوى العالمي في حاجة إلى توجيه اهتمام جاد صوب هذه الناحية.

ونظرا إلى أن الكثير من المؤسسات الخليجية لم تكوّن بعد الخبرة الأكاديمية وخبرة تطوير المشروعات التجارية التي تمتلكها المناطق الأكثر تنظيما في العالم، فإن هذا العجز يجب التعامل معه بدرجة أكبر من الجدية. ومن الممكن علاج هذا العجز من خلال جهد متكامل من جانب الحكومات بطرح المبادرات والبرامج التعليمية، ومن جانب المؤسسات التعليمية بتعديل مناهجها الدراسية وأنشطتها البحثية، ومن جانب مجتمع الأعمال بخلق الفرص التجارية وتوفير التدريب. وهناك طريقة أخرى مفيدة وعملية لتوفير التعليم في مجال العمل التجاري وإدارة المشروعات التجارية الصغيرة، وهي شراء حصص في المشروعات الصغيرة والمتوسطة الناجحة في البلدان الأخرى، فبريطانيا كما نعلم منفتحة دائما على النشاط التجاري، ولديها واحدة من أكثر بيئات المشروعات الصغيرة والمتوسطة تقدما وازدهارا في العالم.

وقبل وقت قصير من إعلان أنباء خروج بريطانيا من دائرة الركود، كشف «مؤشر سيدج التجاري» عن أنه بينما تراجعت ثقة أصحاب المشروعات التجارية على المستوى العالمي في الاقتصادات المحلية لمنطقة اليورو بما يقرب من 5 نقاط - من 47.26 في مارس (آذار) الماضي إلى 42.47 حاليا - فإن ثقة أصحاب المشروعات التجارية داخل بريطانيا في سوقهم المحلية قد ارتفعت فعليا من 44.91 إلى 45.44. وكشفت هذه الدراسة عن أن أغلبية أصحاب المشروعات التجارية البريطانيين قد أجروا تغييرات من أجل مواجهة تحديات المناخ الاقتصادي الحالي، حيث يرى ما يزيد على 81 في المائة من أصحاب المشروعات التجارية البريطانيين أنهم قد نجحوا في التكيف، وقد جاءوا في المركز الثاني مباشرة خلف الشركات السويسرية (التي سجلت نسبة 85 في المائة). وهناك دروس ينبغي تعلمها من هذه التجربة البريطانية، وأفضل طريقة للحصول على المعرفة هي شراء حصص في الشركات.

وطبقا لاستطلاع رأي تم إجراؤه بين الشركات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا، فإن الوسيلة التي تساعد على النمو التجاري ربما تكون من خلال التعاون مع المنافسين، فمن اللافت للنظر أن 30 في المائة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا تقول إن التعاون مع المنافسين سوف يساعد نشاطها التجاري على النمو إلى أقصى درجة خلال الأشهر الـ12 التالية، مقارنة بما يزيد قليلا على الخمس (وبالتحديد 21 في المائة) ممن يشعرون بأن التوصل إلى حل لأزمة منطقة اليورو سوف يساعدها أكثر. ويبدو هذا تفكيرا منطقيا وينبغي استكشافه بصورة أكثر اتساعا، فمنطقة الخليج متحمسة لتطوير وتعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وأنا أود أن أقترح طريقة تساعد الشركات الخليجية على الارتقاء بمستوى فعاليتها، وهي الاستثمار في بعض المشروعات الصغيرة والمتوسطة البريطانية الناجحة، والعمل معا على تطوير الكفاءة المشتركة، وهذا قد يساعد أصحاب المشروعات من الشرق الأوسط على تحقيق أرباح وفي الوقت نفسه تعلم كيفية الإدارة الفعالية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أما بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة البريطانية فإن هذا قد يفتح أمامها أسواقا جديدة.

وتصنف بريطانيا على أنها مكان عالمي المستوى لإطلاق الشركات الجديدة، كما أن الاستثمار الأجنبي بها أبسط بكثير منه في كثير من البلدان. ويمثل تطوير الإدارة تحديا أمام الأسواق العالمية والخليجية على حد سواء، ذلك أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة على وجه العموم لا تتم إدارتها بنفس المستوى من الاحترافية الذي تدار به الشركات الكبيرة، كما أن أصحاب ومديري المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل عام لا ينفقون الكثير من المال على التطوير الذاتي وتدريب الموارد البشرية، فالقيادة والاتصال والإنتاجية والفعالية ترتبط جميعها بمدى ما يحصل عليه المديرون والموظفون من تعليم وتدريب، وأغلبية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الخليج تستعين بأيد عاملة شبه ماهرة أو حتى غير ماهرة تحصل على أجور وامتيازات متدنية، وهناك ندرة في أصحاب ومديري المشروعات التجارية ذوي العقلية المتمركزة حول التدريب والتطوير، مما ينعكس بدوره على النقص في الرؤساء والمرؤوسين المدربين تدريبا جيدا. ويجب أن تركز المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تشجيع المشروعات الجديدة من أجل تعزيز نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أهمية تطوير الإدارة، فالفعالية في المستقبل سوف تصبح أمرا أساسيا في ظل التزايد المطرد في حدة المنافسة العالمية.

وقد نضجت الصلات بين بريطانيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي، وأصبحت تنطوي على مستوى عال من التفاهم ومن الثقة، ويعتبر اتخاذ خطوات إيجابية نحو التطوير المتبادل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة طريقة إيجابية وعملية من أجل الوصول إلى محصلة مربحة لكلا الطرفين، فانتهاج أفضل الممارسات يقود إلى النجاح.

يجب أن يكون هناك مزيد من التعاون بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة في بريطانيا والخليج.

* أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس

إدارة شركة «ألترا كابيتال»