لماذا يخاف المالكي من المصالحة؟

TT

في قصة «لا أحد يموت قط» للكاتب إرنست هيمنغواي، يقول بطل القصة: «أنا وروجيو، وباسيليو، وأستبان، وفيلو أحياء. أما الباقون فقد ماتوا».

بذات «القناعة» يتصرف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تعاطيه مع واحد من ملفات العراق الشائكة، أقصد قضية المصالحة.

وتقف ثلاثة عوامل حائلا بين رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي وقضية «المصالحة في العراق»، الأمر الذي يدفع به لاعتماد سياسة شن الحرب ضد الآخرين، بدلا من طرق دروب السلم، وقبل التطرق إلى تلك العوامل الثلاثة، نقدم توطئة مقتضبة لقضية «المصالحة» في العراق، التي قفزت إلى الواجهة بقوة في خريف عام 2005، عندما بادرت جامعة الدول العربية إلى عقد اللقاء الأول في 19 حتى 21 نوفمبر (تشرين الثاني) بالقاهرة عام 2005، وشاركت فيه جميع أطراف العملية السياسية والعناوين البارزة في المعارضة العراقية، وجرى اللقاء الثاني في يوليو (تموز) 2006 بمقر الجامعة العربية أيضا، بعد عدة أسابيع على تسلم المالكي رئاسة الوزراء في الدورة الأولى، واتفقت خلاله أطراف الحكومة والقوى الوطنية على النقاط الرئيسية، التي من شأنها إنقاذ العراق من بحر الدماء والتشريد والجوع والخوف والدمار، إلا أن المالكي سرعان ما تنصل من الوثيقة الخاصة بنقاط الإصلاح الحقيقي في العراق، واختار إطلاق التصريحات عن المصالحة دون ملامسة جوهرها.

أما العوامل الثلاثة التي تقف حائلا بين المالكي والمصالحة في العراق، فهي:

الأول: يتعلق بالمنظومة السياسية والحكومية في بغداد، وفي المقدمة منها شخص نوري المالكي وجميع الشركاء، فقد أدرك من خلال الشروط التي وضعتها القوى الوطنية في مؤتمر القاهرة الأول عام 2005، أن «المصالحة الحقيقية» تعني غلبة المشروع الوطني العراقي على مشروع القوى والأطراف السياسية الطائفية، التي وصلت الى السلطة بعد الغزو الأميركي عام 2003، مما يعني فشل مخطط تقسيم العراق ونهب ثرواته وإيقاف مشروع الهيمنة الإقليمية، وتسلم إدارة مفاصل الدولة من قبل الكفاءات، بدلا من سياسة تقديم الولاءات الطائفية الضيقة المريضة، التي برزت بقوة بعد عام 2003، وتسلم إدارة الملف الأمني للمهنيين والمختصين بدلا من عناصر الميليشيات التي تصدرت واجهة الأجهزة الأمنية، وقبل كل ذلك قضية تغيير «الدستور» الذي تمت صياغته بطريقة إبقاء الحكم في العراق، وفق ما أراد سياسيو ما بعد 2003، وما يتضمنه من قنابل موقوتة لتخريب العراق وتدميره.

الثاني: أن «المصالحة» من وجهة نظر السيد نوري المالكي، ووفق ما اشترطته القوى الوطنية العراقية، تعني إحالة جميع الذين ارتكبوا جرائم بحق العراقيين إلى قضاء عراقي عادل، بعيدا عن عمليات العبث التخريبي والتسييس التي طالت القضاء العراقي بعد 2003، الأمر الذي يقود الكثير من كبار المسؤولين، وفي المقدمة منهم، جميع رؤساء الوزارات والوزراء الأمنيون والقيادات الأمنية في العراق إلى المحاكم، بسبب ما ارتكب هؤلاء من جرائم موثقة، والكثير منها لا تحتاج حتى إلى شاهد، على سبيل المثال لا الحصر، عندما يتم اعتقال رجل دين معروف من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية فجرا، وبعد يومين يظهر في الفضائية الحكومية الرسمية (العراقية) ليدلي باعترافات وآثار التعذيب ظاهرة على كل ما هو مكشوف من جسده (الوجه والعينيين واليدين)، ثم يتم العثور عليه، بعد عدة أيام في المزابل، بين مئات الجثث المشوهة من جراء تعذيب الأجهزة الأمنية التي اعتقلتهم قبل أيام، والتي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء، وهناك الكثير من القصص الموثقة والمماثلة تحتفظ بها القوى الوطنية العراقية.

ثالثا: يدرك المالكي وشركاؤه، أن المصالحة، تعني وضع حد للسرقات الخطيرة وغير المسبوقة في العالم للأموال العراقية (حتى نهاية العام الحالي دخلت ميزانية العراق في عهد المالكي منذ منتصف عام 2006 حتى نهاية 2012 ما يزيد على 612 مليار دولار)، دون أن يلمس العراقيون أي أثر لها، في ميادين الخدمات والكهرباء والأمن والبطاقة التموينية والمدارس والمستشفيات، كما أن وجود شخصيات وطنية كفؤة في حال وجود مصالحة حقيقية، ستفضح مسارب تهريب أموال العراق الطائلة إلى دول وأطراف خارجية وإلى الحسابات الخاصة.

لذ، فإن المالكي، يصاب بالرعب، عندما يتخيل العراق تحت راية (المصالحة الحقيقية)، إذ يرى بعينيه حاله وأحوال شركائه، الذين يقفون بجدارة خلف تدمير العراق، وقتل وتغييب ما يقرب من مليوني عراقي، وتشريد خمسة ملايين في الداخل والخارج، وسرقة ثروات العراقيين والسعي الحثيث لتمزيق هذا البلد، لأن جوهر سياسته (المالكي)، تعتمد إبعاد الكفاءات، وتقريب أصحاب الولاءات الضيقة على حساب مصلحة العراق.

ولا يمكن أن يتخيل المالكي وشركاؤه في الحلقة الضيقة حال العراق، وقد استعاد قضاءه النقي، وجهازه الأمني المهني، وجهازه الإداري الكفء، لأنه (والشركاء) يعرفون مصيرهم في حال تحقق ذلك.

* كاتب عراقي