أميركا الملونة.. أميركا البيضاء

TT

لا يبدو أن انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية قبل أربع سنوات قد حقق المراد في كسر الاستقطاب الحاد والتاريخي الأميركي بين مجتمعي البيض والملونين. إنها أيام قليلة تلك التي تفصل الأميركيين عن انتخاباتهم الرئاسية، فهل سيجددون الثقة بباراك أوباما أم سيطوون صفحة أول رئيس أميركي من أصل أفريقي.

لكن النقاش في الإعلام ولدى الرأي العام الأميركي اليوم لم يعد هنا..

إنها أيام إعصار «ساندي» ومن ينجح في مخاطبة الأميركيين وإدارة مواجهتهم للكارثة الطبيعية هو من - على الأرجح - سيحقق الفوز.

بعد أربع سنوات، لم تعد حكاية نجاح أول أميركي ملون مع بعض الجذور الإسلامية ليكون رئيسا هي العنوان، فقد مرت أحداث كثيرة جعلت من تلك الحقيقة باهتة نسبيا ولا تتصدر النقاش، خصوصا مع تكريس أوباما سياسة حذرة في مخاطبته للرأي العام في قضايا العنصرية.

لقد تراجعت الحماسة التي ظهرت لدى فوز أوباما بأن وصوله سيخفف من مشاعر الكراهية والممارسات العنصرية. اليوم وفي غمرة الانشغال الإعلامي والسياسي والإغاثي بتداعيات إعصار «ساندي» كشف استطلاع أجرته وكالة «أسوشييتدبرس» نتيجة مثيرة للقلق مفادها ازدياد مشاعر الكراهية تجاه الأميركيين من أصل أفريقي أو من أصل لاتيني.

هنا مرة أخرى، لا يصنع حدث تاريخا، إنما ما يصنع التاريخ هو ممارسة طويلة الأمد ربما كان حدث انتخاب باراك أوباما قد بدأها لكنه لم يشكل انطلاقة سهلة لها. فالتنافس بين المرشحين الجمهوري ميت رومني والديمقراطي الأسود باراك أوباما، لا يخلو من إشارات إلى هذا المأزق الثقافي. يخاف أوباما من حدة انحياز الملونين له لكي لا يرتد موقفا من الأكثرية البيضاء ضده فيحاذر كثيرا في خطاباته وأحاديثه الصحافية من مقاربة العنصرية في أميركا. أما رومني فيغالي في مخاطبة البيض ليس بوصفهم «بِيضٌ» إنما بوصفهم أكثرية لها الغلبة في التركيبة الثقافية الأميركية، ولهذا فإن تسريبات فيديو لخطابات له ضد المثليين جنسيا مثلا ليست مفاجأة ولا تخرج عن نسق مرشحين جمهوريين كثر وربما تكون أحيانا مقصودة.

الأرجح أن تكون الأيام العصيبة التي عاشها الأميركيون في مواجهة كارثة طبيعية هي العامل الحاسم في خيارهم في صناديق الاقتراع وهذا ما يفسّر الحذر الشديد في تصريحات المرشحين الرئيس باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني وفي تعديلات اللحظة الأخيرة على خططهما الانتخابية.

يشكو السود من حقيقة أن أميركا بيضاء ثقافة وكتابة وأدبا وسينما، ويخاف البيض من صعود العنصر الأسود في تركيبتهم الاجتماعية. ليس هذا الكلام للقول إن أميركا عنصرية فهي انتخبت رئيسا أسود وقد تعيد انتخابه إنما للقول إن الانقسام الأفقي هذا يتعدى تجلياته العنصرية إلى تجليات ثقافية وهوياتية، وهذه إشكالية لم تتمكن أميركا من حسمها بعد على رغم عظمة التجربة ونجاحها.

إنها انتخابات حاسمة تلك التي سيشهدها الأميركيون ونحن لن نبارح دورنا التاريخي كمتفرجين سلبيين.

diana@ asharqalawsat.com