حان الوقت لموقف أكثر صرامة من العراق

TT

يتعين على الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يقوم بإعادة تقييم العلاقات الأميركية - العراقية المتدهورة. وقد عمل نظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في جو من الحصانة في ظل حكم رئيسين أميركيين، في حين كانت الحكومة الأميركية تركز على تهدئة الوضع في العراق وترتيب أوراقها للانسحاب. وفي ظل الخوف من انعكاس توجيه انتقادات للعراق على السياسة الأميركية، والمعارضة القاطعة لأي تورط جديد في الشأن العراقي، فقد اعتمد نهج واشنطن ببساطة على النظر في الاتجاه الآخر، في الوقت الذي لا يراعي فيه العراق مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة.

ويتمثل الصراع الحالي في المصالح حول سوريا. ومن المناسب ومن صالح الولايات المتحدة أيضا أن ينتهي عهد الرئيس بشار الأسد الدموي هناك، ويتعين على الولايات المتحدة، في أقل الأحوال، أن تكون قادرة على منع حلفائها من المساعدة في نقل الأسلحة إلى نظام الأسد.

وقال تقرير استخباراتي نقلا عن وكالة رويترز الشهر الماضي إن العراق يسمح لإيران بنقل «أشخاص وعشرات الأطنان من الأسلحة» عبر الأجواء العراقية إلى سوريا «على أساس شبه يومي». ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فإن الشاحنات التي تقل الحجيج إلى المقامات الشيعية في سوريا تقوم بنقل الأسلحة والمعدات والمقاتلين لدعم نظام الأسد.

وبالطبع، تتوسل إدارة أوباما إلى العراق لكي يتوقف عن ذلك، ولكن يجب أن يكون رد الولايات المتحدة شرسا، وكان يجب أن تكون هناك إدانة قاطعة لسلوك العراق، وأن يطلب من العراقيين أن يتوقفوا فورا، وإلا فقدوا صداقتهم للولايات المتحدة، ويجب أن يشمل هذا أيضا توقف المساعدات الأميركية المخصصة للعراق التي تصل قيمتها إلى 1.7 مليار دولار، ووقف إبرام أي صفقات أسلحة بين العراق والولايات المتحدة.

إن قيام حكومة المالكي بإعادة تسليح نظام الأسد يجعلها مسؤولة عن إطالة أمد الصراع السوري، الذي خلف خسائر بشرية فادحة، وزعزع استقرار لبنان، ويهدد كلا من تركيا والأردن. وفي الحقيقة، يمكن للعراق أن يساهم في حل تلك المشكلة بصورة أكبر.

إن الضغوط التي تواجهها إيران بسبب برنامجها النووي تؤثر تأثيرا كبيرا على اقتصادها، ولا يمكن لإيران أن تنعزل أو تتحول عن أقرب جيرانها، وبالتالي لو عارض العراق استخدام مجاله الجوي بهذه الصورة، سيكون من الصعب تصور عدم امتثال إيران لذلك. ورغم أن علامات النفوذ الإيراني المتزايد في السياسة العراقية قد بدأت تظهر جليا عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فإن التضامن مع الشيعة ليس هو الفكر الوحيد الذي يحرك الأمور في البلاد، فهناك أيضا القومية العراقية التي تعبر نفسها في الخطاب المعادي لإيران بضراوة شديدة. وربما تكون حكومة المالكي سعيدة وهي تلعب بورقة الطائفية عندما يكون ذلك في صالحها، ولكن المالكي يسير في نهاية المطاف وفق التزام واحد يضمن لنظامه البقاء.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لا يتخذ المالكي أي خيار غير عقلاني فيما يتعلق بالسماح بتقديم الدعم لنظام الأسد. إنه يدعم النظام الإيراني الذي توسط لعودته إلى السلطة، كما يعمل جاهدا على منع تشكيل حكومة سنية في سوريا؛ لأن ذلك من شأنه أن يشعل حربا أهلية في العراق. وبالتالي، أصبح الأمر الآن في يد الولايات المتحدة لكي تغير حسابات المالكي حتى تتماشى مع المصالح الأميركية.

وحتى يمكن القيام بذلك، يتعين على الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يعمل على زيادة التكاليف التي سيدفعها العراق في حال استمراره في سياسته الحالية، ويمكنه، بل يتعين عليه أن يهدد بفرض عقوبات اقتصادية وشيكة ضد حكومة المالكي.

وحتى بعيدا عن الأزمة السورية، يتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا أكثر صرامة من نظام المالكي حتى يتم الحيلولة دون انزلاق العراق إلى الاستبداد. ورغم أن المالكي حقق بعض النجاحات خلال فترة ولايته الأولى، مثل هجوم «صولة الفرسان» على الميليشيات الشيعية في البصرة عام 2008، فإن المالكي أصبح أسيرا لطموحاته الاستبدادية، علاوة على أن عددا من تصرفاته أدت إلى اشتعال التوترات الطائفية في العراق، حيث ألغى اتفاقا مع الحزب الشيعي المتشدد بقيادة مقتدى الصدر، كما نكث عهده المتمثل في وجود القائمة العراقية التي يهيمن عليها السنة ضمن الحكومة. ويقود المالكي ما يبدو أنه حملة شرسة ضد كبار السياسيين السنة، التي بلغت ذروتها في إصدار حكم غيابي بالإعدام على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.

وعلاوة على ذلك، تعاني حكومة المالكي من عدم الكفاءة والفساد وازدراء حقوق الإنسان، وهو ما جعل المواطنين العاديين يفقدون الثقة في إقامة نظام ديمقراطي. وقام المالكي أيضا بتقويض المؤسسات العراقية المستقلة، مثل لجنة الانتخابات والبنك المركزي العراقي، من خلال إخضاعها لإشرافه المباشر، والأخطر من ذلك أنه يحكم السيطرة على كافة الأجهزة الأمنية في العراق من خلال رفضه تعيين وزراء دائمين لقيادة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ومجلس الأمن القومي.

وباختصار، يترأس المالكي حملة لتفكيك النظام السياسي التمثيلي في العراق، ولا تقوم الولايات المتحدة بأي شيء حيال ذلك. وفي خطابه بمناسبة انتهاء الحرب العراقية عام 2011، تعهد الرئيس باراك أوباما بـ«مساعدة العراقيين على تقوية المؤسسة العادلة والتمثيلية والخاضعة للمساءلة». ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ستربح إذا ما أوفت بهذا العهد، ولكنها لديها الكثير من الخيارات الأخرى التي لا تتطلب التدخل على نطاق واسع في الشأن العراقي، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بتشويه سمعة المالكي على المسرح الدولي، كما يمكنها تقييد المساعدات وزيادة دعمها لأحزاب المعارضة المشروعة في العراق. وبأي طريقة كانت، يتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يقوم بمساءلة حكومة المالكي بسبب سوء استخدامها للسلطة داخل العراق، وبسبب إفلاسها الأخلاقي؛ لقيامها بتمكين إعادة تسليح نظام بشار الأسد.

* زميل برنامج الأمن الدولي بمركز بيلفر التابع لجامعة هارفارد كنيدي المتخصص في السياسة الخارجية العراقية المعاصرة