الوضوح مطلوب في حادثة بنغازي

TT

لقد تحول الهجوم الذي استهدف القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية إلى مباراة كرة قدم سياسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع وجود كل عوامل الإبهار والتضليل.. ولكن قناة «فوكس نيوز» قد أثارت بعض الأسئلة حول الهجوم تستحق إجابات أكثر وضوحا من جانب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

أكدت جنيفر غريفين، مراسلة قناة «فوكس نيوز»، يوم الجمعة الماضي، أن ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بنغازي قد تم إخبارهم بـ«إنهاء حالة التأهب» عندما كانوا يريدون الانتشار من قاعدتهم الموجودة في الملحق الخاص بالوكالة لصد الهجوم على القنصلية، التي تبعد عنهم ميلا واحدا تقريبا. أفادت قناة «فوكس» أيضا بأن ضباط الاستخبارات الأميركية قد طالبوا بدعم عسكري عندما تعرض المبنى الملحق لإطلاق نار في وقت لاحق من تلك الليلة، ولكن طلبهم قد قوبل بالرفض.

تسبب تشارلز وودز، وهو والد تيرون وودز، أحد المتعاقدين مع وكالة الاستخبارات المركزية الذي لقي مصرعه في الهجوم، في تضخيم مأساة بنغازي بصورة كبيرة، حيث صرح للمذيع شون هانيتي في قناة «فوكس» بأن مسؤولي البيت الأبيض الذين لم يصرحوا بشن ضربات عسكرية لإنقاذ المحاصرين في الملحق الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية هم «جبناء» و«مذنبون بقتل ابني».

نفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بشدة رواية «إنهاء حالة التأهب» التي ساقتها قناة «فوكس»، مضيفة: «نستطيع أن نقول بكل ثقة إن الوكالة تصرفت بسرعة لمساعدة زملائنا أثناء هذه الليلة المفزعة في بنغازي. وعلاوة على ذلك، لم يقم أي شخص على أي مستوى في الوكالة بإخبار أحد بعدم تقديم يد المساعدة لهؤلاء الأشخاص الذين كانوا في حاجة إليها. أما المزاعم التي تقول بعكس ذلك فهي بمنتهى البساطة غير دقيقة».

إذن، ماذا حدث في بنغازي في ليلة 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي أسفر عن مصرع تيرون وودز والسفير كريستوفر ستيفنز واثنين آخرين؟ إن أفضل الطرق للوصول إلى الحقائق تكمن في سرد الخط الزمني المفصل لهذه الأحداث، والذي يقول المسؤولون إنهم يقومون بإعداده وإنه قد يتم الكشف عنه في وقت لاحق من الأسبوع الحالي. يعد هذا الأمر ضرورة لا مفر منها، حتى وإن جاءت في الأسبوع الأخير المتقلب من الحملات الرئاسية. وفي هذه الأثناء، سوف أسرد عليكم ملخصا لبعض المواضيع الرئيسية التي تحتاج إلى توضيح.

أولا، في ما يتعلق بالسؤال الخاص بما إذا كان قد طلب من وودز وآخرين الانتظار عندما طلبوا الإذن بالخروج فورا لمحاولة إنقاذ الأشخاص الذين كانوا موجودين داخل القنصلية، فيبدو أن الجواب سيكون بالإثبات، ولكن لم يطلب منهم الانتظار لفترة طويلة للغاية. لقد كانت هناك فترة تأخير وجيزة في البداية - قال شخصان إنها وصلت لـ20 دقيقة - قبل أن يتم السماح لوودز بالمغادرة. صرح أحد المسؤولين بأن وودز وزميلا آخر له، على الأقل، في الاستخبارات المركزية، كانا موجودين «في السيارة يقومان بتشغيل المحرك» في انتظار الحصول على إذن للذهاب. فارق وودز الحياة بعد نحو ست ساعات من عودته إلى الملحق.

تقول العديد من المصادر إن السبب الرئيسي وراء هذا التأخير هو قيام مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية بإجراء اتصالات عاجلة مع أحد الميليشيات الليبية، المعروفة باسم «لواء 17 فبراير»، وهو التنظيم الأقرب إلى كونه قوة أمنية منظمة في بنغازي. تعتمد الولايات المتحدة الأميركية على القوات الأمنية المحلية لحماية منشآتها الدبلوماسية في شتى أنحاء العالم، لذا كان المسؤولون يريدون تنسيق ردهم على الهجوم الذي تعرضت له القنصلية. وبعد هذا التأخير، اتجه وودز هو وزملاؤه إلى القنصلية. ولكنني أود هنا أن أطرح سؤلا: هل كان من الحكمة الاعتماد على الميليشيات الليبية التي كان من الواضح أنها لا ترتقي لمستوى هذه المهمة؟ هل كان وضع الأشخاص المعرضين للهجوم في مبنى القنصلية سيتغير إذا ما كان قد تم السماح لوودز بالتحرك بسرعة؟

ثانيا، لماذا لم تقم الولايات المتحدة الأميركية بإرسال طائرات من دون طيار مسلحة أو غيرها من وسائل المساعدة الجوية لبنغازي على الفور؟ من الصعب حقا الإجابة عن هذا السؤال، حيث قامت وكالة الاستخبارات المركزية بإرسال قوة للرد السريع في هذه الليلة من طرابلس، والتي كانت تضم 8 رجال تقريبا، ولكنها واجهت بعض المشاكل في البداية في الوصول إلى المجمع، فضلا عن أن أحد أعضاء هذه الفرقة، غلين دوهرتي، قد لقي مصرعه إلى جانب وودز عندما سقطت قذيفة «مورتر» على سقف الملحق في نحو الساعة الرابعة صباحا.

ما الذي كان يمكن القيام به أكثر من ذلك؟ تم تحريك فريق تابع لقيادة العمليات الأميركية الخاصة المشتركة في هذه الليلة إلى قاعدة سيغونيلا الجوية في صقلية للانتشار السريع في بنغازي أو غيرها من الأماكن في شمال أفريقيا، حيث كانت المنشآت الأميركية تتعرض للخطر في هذه الليلة. كان من الممكن أيضا إرسال الطائرات من دون طيار المسلحة لهذا الغرض. لخص وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا يوم الخميس الماضي قرار الإدارة الأميركية باللجوء إلى الحذر، حيث قال: «أنت لا تقوم بنشر قوات في أماكن خطرة من دون معرفة ما يجري». وإذا ما نظرنا إلى الوراء، فسوف ندرك أنه كان من الحكمة بالفعل عدم القيام بقصف أهداف في ليبيا في تلك الليلة، فبالنظر إلى موجة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم العربي، كان الأمر سيبدو شبيها بسكب المزيد من البنزين على النار المشتعلة. ولكن معاناة والد وودز هي أمر مفهوم، حيث كان من الممكن إنقاذ حياة ابنه إذا ما تم القيام برد أكثر عدوانية. إن إدارة أوباما في حاجة إلى مصارحة المجتمع بالسبب الحقيقي وراء اتخاذها هذا القرار.

وأخيرا، هناك نقطة واضحة للغاية: لقد كان «ضباب المعركة» في هذه الليلة كثيفا، ليس فقط في بنغازي، وإنما في القاهرة وتونس العاصمة وغيرهما من الأماكن. كان المسؤولون الأميركيون في حاجة إلى معلومات استخباراتية أفضل، وهذه هي المشكلة الأصعب والأهم التي يجب معالجتها.