النظافة أولا ثم الجمال

TT

قرأت للأستاذ حبيب محمود في جريدة (الشرق):

«حدثني صديق فقال: اتصلت به الشرطة لمشكلة تخص ابنه الذي لم يبلغ الرابعة عشرة، حين ذهب عرف أن ابنه تمازح وأقرانا له في الحي، فقذف ابنه بحصاة فأصابت عداد مياه بيت جار شاهد الجار الموقف، فأمسك بالصغير فصفعه..!

وصلت القصة إلى الشرطة بين دعويين: الجار يتهم الصبي بالتخريب، والصبي يتهم الجار بالضرب فما كان من الأب إلا أن أمر ابنه بتقبيل اليد التي أدبته فقبلها - وانتهت المشكلة».

وروايته تلك ذكرتني بحادثة أخرى مشابهة مع بعض الاختلاف، وقد سمعتها من أحد المحامين عندما قال:

حدثت مضاربة بين صبيين لا تزيد أعمارهما على (13) سنة، وأثناء تلك (الخناقة) كسر أحدهما سن الآخر، فما كان من والده إلا أن تقدم بشكوى للمحكمة، وأحضر القاضي الصبي الآخر ووالده، وعندما أخذ اعتراف وإقرار الصبي بكسر سن غريمه، ما كان منه إلا أن يأمر الجندي بإحضار (شاكوش)، وعندما أحضره وقف واتجه للصبي طالبا منه أن يفتح فمه، فامتثل لطلبه وهو يرتعد من الخوف، وقبل أن يهوي القاضي بالشاكوش عليه، كان والد الصبي المكسورة سنه أسرع منه ممسكا بيد القاضي وقائلا له: إنني مصدق ومؤمن بالآية الكريمة القائلة في سياقها (السن بالسن) ولكنني أنا وابني نتسامح ونتنازل عن حقنا بذلك، ونادى على الصبيين قائلا لهما: هيا تعانقا، وانتهت المشكلة بكل بساطة، وخرجا من باب المحكمة وكل واحد منهما ممسك بيد الآخر، والقاضي ما زال ممسكا بيده على (الشاكوش) بانفعال واضح.

* * *

يقول الدوق (دوكوا يني) في مذكراته: إن سكان منطقتي انتخبوا في سنة 1789 لمجلس البرلمان فلاحا ذكيا بدهاء، وخفيف الروح بخبث، وقد سألته عن مشاريعه ومطالباته المستقبلية فقال:

سأطالب قبل كل شيء بالقضاء على: الحمام، والأرانب، والكهنة.

فسألته عما يحمله على مثل هذا الطلب العجيب، فقال الفلاح المكار:

الأمر في غاية البساطة يا سيدي، فالحمام يكاد أن يقضي على البذار، فإذا نبتت البقية الباقية منه أتت الأرانب لتأكل السنابل، أما الكهنة فهم لا يوفرون شيئا، حتى مؤخراتنا هم يأكلونها.

* * *

فقال لي رجل (رومانسي): وقفت يوما مع خطيبتي في ليلة شاعرية مقمرة، فهزني الشوق والانفعال، فأخذت أشير لها بأصبعي منتشيا نحو القمر المكتمل، ولكنها بدلا من أن تذهب ببصرها نحو القمر، إذا بها تركز نظراتها على أصبعي قائلة لي بقرف: ما هذا الوسخ الذي تحت أظافرك؟! - انتهى.

هكذا هي المرأة تنظر دائما إلى أصغر الأشياء، أما بعض الرجال على شاكلة ذلك (الرومانسي)، فأولى بهم قبل الاهتمام بجمال القمر، أن يذهب الواحد منهم إلى الحمام وفي يده (ليفة من النحاس).

فالنظافة أولا وبعد ذلك يأتي الجمال.

[email protected]