نقمة القناة

TT

عندما يضحك العربي يوم الاثنين يضع يده على قلبه ويقول «اللهم نجنا من بكاء الأربعاء». فهذا المخلوق الخائف والبائس طبع على أنه لا يستحق شيئا في الحياة حتى الضحك. ومن هنا قول شاع عن أن «النفط نقمة لا نعمة». ولا بدَّ أن صاحبه لم يرَ الخليج وليبيا والجزائر قبل ازدهار الإنتاج النفطي. حتى كمثل مجازي يبدو هذا القول عقيما.

أعلنت قناة السويس قبل حين عن أرباحها هذا العام، فإذا هي نحو 5 مليارات دولار. وفي الفترة نفسها ذكر أن الحكومة طبعت 5 مليارات جنيه من دون تغطية. تذكرت كتابات الدكتور جمال حمدان عن «الشخصية المصرية» حين يقول إن أعدادا كبيرة من المصريين رأت في قناة السويس نقمة لا نعمة. تخيل أن تكون القناة التي غيَّرت وجه العالم وحركة البشر، نقمة لا نعمة. قيل ذلك لأن القناة كانت في مرحلة «شريان حياة الإمبراطورية البريطانية»، وأغرت الاستعمار بإقامة أكبر قواعده في مصر.

لكن هل كانت الدول الاستعمارية في تلك المرحلة بحاجة إلى القناة لكي تبسط احتلالاتها؟ أعطت القناة مصر موقعا استراتيجيا وسياسيا عظيما. وفيها خاضت مصر آخر معاركها الاستقلالية كما خاضت آخر معارك التحرير.

لا نستطيع أن نتخيل كيف تكون مصر من دون القناة لكننا نستطيع أن نتخيل كيف يكون العالم العربي من دون نفط. أو كيف يكون حال ملايين الفقراء الذين يعيشون من نحو 250 مليار دولار من تحويلات العمالة في الخليج. ليست هناك أرقام حول مدى إفادة العمالة العربية من الخليج. أو مدى انعكاس أرباح النفط، بطرق أخرى، على الدول العربية.

برغم أن حجمها هائل، فهو لا يكفي. ما زال على الدول العربية المتمتعة بنعمة النفط، أن تقدم، من خلال صناديق إضافية، المزيد إلى محتاجي العرب. تمول قطر، مثلا، مشاريع تنمية في ضواحي المدن الفرنسية المليئة بالعرب، وهو أمر جيد طبعا. ولكن موظفي فلسطين بلا رواتب. وإذا كانت الدول المانحة تخشى من ضياع المساعدات في ممرات الفساد العربي، في إمكانها إقامة مؤسسات تشرف على تنفيذ المشاريع التي تقيمها.

يقول البعض في الخليج إن كميات ضخمة من المساعدات قوبلت بالنكران. وهذا من بعض طبائع البشر. وإلا ماذا يميز بين المانح والناكر؟ إن التنمية العربية لا بد أن تكون جزءا من استراتيجية دائمة وبعيدة المدى. وعلى كل ميسور عربي أن يفكر في كل محتاج عربي، لكي لا يتطلع إلى هذه النعمة ويقول إنها نقمة.