نائمون أم ميتون؟

TT

لا أدري كم بلغ عدد القتلى في سوريا الآن. أتذكر أنه تجاوز العشرين ألفا قبل شهرين. ربما ارتفع العدد الآن إلى ثلاثين ألفا، ولا أحد يعبأ أو يسأل. حتى هذا الرجل الذي كنت أعجب به، الأخضر الإبراهيمي، اهتزت صورته في نظري بعد ما قام به في مهمته بشأن سوريا. انحصرت مهمته الآن في القيام بسياحات، تماما مثل مهمة توني بلير في حل المشكلة الفلسطينية.

يذكرني الموضوع بالطرفة التي قيلت عن جورج بوش وتوني بلير. بعد تشاورهما في واشنطن خرجا إلى حديقة الورود لمواجهة الصحافيين. قال جورج بوش: «لقد اتفقنا على حل مشكلة الإرهاب العالمي بقتل عشرين مليون عربي وطبيب أسنان واحد». استغرب الصحافيون من قوله فسأله أحدهم: «ولماذا طبيب أسنان واحد؟».. التفت جورج بوش لحبيبه توني بلير وقال: «ألم أقل لك؟ لا أحد يعبأ بموت العرب. اقتل عشرين مليونا منهم أو ثلاثين مليونا أو خمسين مليونا، ولن يسأل عنهم أحد»!

والكلام يجر كلاما، وهذه الطرفة تذكرني بأعمق قول مأثور سمعته في القرن العشرين، وكان من غولدا مائير، الوزيرة الإسرائيلية السابقة. قالت: «إننا بعد إضرام النار في المسجد الأقصى قلقنا كثيرا مما سيفعله العرب ردا على ما جرى، وتوقعنا أن يهجموا علينا من كل جانب. ولكن مرت الأيام ولم يفعلوا أي شيء. فقلت: بإمكاننا الآن أن نقوم بأي شيء ولا نخاف. فهذه الأمة التي تحيط بنا أمة نائمة»!

وهذا بالطبع ما تفعله إسرائيل اليوم. تفعل أي شيء يعجبها ويناسبها ولا تخشى أي رد. رويت كلمات غولدا مائير لصديقي الصحافي حسان إسماعيل، فقال: «تقول أمة نائمة؟ كلا يا أبو نايل. هذه أمة ميتة. فالنائم يستفيق ويبادر للعمل. ولكن لا يقظة لنا ولا عمل».

تشير كلتا الحكايتين إلى اليأس الممض الذي أصبح يأكل في قلوبنا وأدمغتنا. هجرة الأدمغة العربية إلى الغرب جزء من هذا اليأس. وراحوا وسواهم من عقلائنا يديرون ظهورهم لما يجري في عالمنا العربي، لا يريدون سماع أخباره أو قراءة أي شيء عنه. كثيرا ما يلومني بعضهم ويؤنبونني ويقولون: «يا أبو نايل.. نحن نقرأ عمودك لنستأنس به ونضحك معك. لماذا تزجنا بالأمور الجدية وتكدر مزاجنا بما يجري؟ فحديثها حديث ذو شجون وهموم. لقد جربنا القومية والوحدة العربية والاشتراكية العربية والشيوعية الماركسية، وقمنا بالثورات والانقلابات والانتفاضات، والآن جربنا الديمقراطية والانتخابات البرلمانية وهاكم ما حصلنا عليه».

قلت: أمتنا ليست نائمة ولا ميتة! أمتنا أمة مريضة. والأمراض تعلمنا أن الشفاء يستغرق دائما وقتا طويلا. لا يوجد عقار يشفي مريضا فور تناوله. حتى الأسبرين يحتاج بضع ساعات ليهدئ وجع الرأس. الغربيون استغرقوا سبعة قرون ليشفوا من أمراضهم ويقفوا على أقدامهم. وهذه هي مشكلتنا. فلن نشهد خلاصنا في جيلنا هذا بمجرد حصولنا على الاستقلال وانضمامنا للأمم المتحدة. الطريق أطول مما كنا نتصور. كل ما نفعله مجرد خطوات في هذا المشوار الطويل. مشوار كتب علينا أن نسيره.